غيّب الموت في العاصمة الإيطالية "روما" منذ أيام شيخ الحروفيين العرب الفنان العالمي "سامي برهان" عن عمر ناهز 90 عاماً، بعد صراع مع المرض، تاركاً خلفه إرثاً تشكيلياً هائلاً من الأعمال الفنية البارزة وطاويا رحلة حافلة بالنشاط الفني والثقافي والاجتماعي والإنساني.
ولد الفنان "سامي بن محمد حجازي برهان" في حي "الجلوم" أحد أقدم أحياء حلب عام 1929، وتعلم القرآن الكريم منذ طفولته أي قبل الدراسة الابتدائية وذلك في "المدرسة الكواكبية" في "حي الجلوم"، ودرس الإعدادية في "خان العلبية"، وبرز اهتمامه بالفن منذ فترة مبكرة من حياته وتتلمذ على يد الخطاط التركي "حسين حسني" رئيس خطاطي السلطان "عبد الحميد" وذلك لدى إقامته في "حلب".
في العام 1948 عيّن معلماً في "جرابلس"، وفي العام 1950 عيّن معلماً في "صافيتا" وفي العام 1951 تعين في مديرية التربية في "حلب" لجمال خطه، وفي العام 1952 زار "انطاكيا" و"استانبول"، حيث تعرف خلالها على "عزمي موسى" الفنان الكبير في جمالية الخط العربي والمعروف باسم "حامد الآمدي"، وقصد مدينة "باريس" في شبابه ليتعلم في المدرسة العليا الجميلة، وهناك تعرف على عدد من المستشرقين، من بينهم المستشرق (لوي ماسينيون Louis Massignon) الذي شجعه شخصياً، على الاستمرار في بحثه عن جمالية الخط العربي.
وعاد إلى مسقط رأسه مدرسا لمادة الرسم وفي عام 1963 قصد إيطاليا لاستكمال دراسته في أكاديمية الفنون الجميلة، وأقام فيها بشكل دائم، لكنه ظل يتنقل بين العواصم الأوروبية، والبلدان العربية.
وفي إيطاليا اطلع "برهان" على أهم مدارس التصوير والنحت. وأقام العديد من المعارض، كما فاز بالجائزة الأولى (سان فيتو رومانو) على مائة من الفنانين الأجانب.
وفي عام 1972 أصبح أستاذاٌ في جامعة "روما"، وفي عام 1995 أسس في روما المعهد العربي الإيطالي للفنون الجميلة -كما يقول المؤرخ والباحث محمد قجة- مضيفاً أن "برهان" تميز بالتنوع بين الرسم الكلاسيكي، والحروفية العربية، وأعمال النحت والمجسمات.
وأقام في كل ذلك كثيراً من المعارض، وحصل على كثير من الجوائز، واختير من قبل الأمم المتحدة عام 1987 لوضع شعار لحملة مكافحة المخدرات وهذا التصميم كان شعاراً لمؤتمر وزارة الداخلية في العالم، وقام المركز العربي للدراسات الأمنية بصنع سجادة بقياس 3/3 لهذا الشعار، وهي موجودة الآن في القاعة الرئيسية في مقر الأمم المتحدة بفيينا، كما قام بتنفيذ جدارية "يا شافي" في مدينة "الملك فهد" الطبية في السعودية، وهي من الرخام بارتفاع 18 متراً، كما أنجز المجسّم الإسلامي (قل هو الله أحد) في مدخل "جامعة الملك سعود" بمدينة "الرياض" السعودية في العام 1982، ومن أعمال الفنان الراحل التي نفذها في مدينته حلب ثلاثة مجسمات منحوتة هي نصب يمثل صديقه الفنان المخرج "مصطفى العقاد" في مداخل حلب وكلمة "سلام" بأربع لغات ولفظ الجلالة "الله".
ورغم تغرّبه لأكثر من نصف قرن لم ينس سامي برهان مدينته حلب، كان كثبر التردد عليها، ومن المعلوم أنه كان عضوًا قديمًا في جمعية العاديات منذ عام 1952، وقبل 20 عاما قرر الإقامة في حلب واشترى مزرعة صغيرة فيها منزل جميل في ضاحية قريبة من قلعة "سمعان".
وللأسف جاءت الحرب فتم تدمير المنزل والمزرعة ونهب ما فيهما، فاضطر للعودة إلى إيطاليا والإقامة في دار المسنين حتى وافته المنية يوم 30/ 7/ 2021.
وروى الفنان "ياسر الغربي" لـ"زمان الوصل" أن بداية لقائه بشيخ الحروفيين العرب الراحل "سامي برهان" كان عام 2004 في دار وغاليري "كلمات" بحلب أثناء إقامته –أي الغربي- المعرض الشخصي الأول بجامعة حلب بعنوان "منمنمات"، وحينها زاره أحد مالكي دار كلمات "خلدون الأحمد" وحمل إليه ظرفاً يتضمن دعوة لحضور معرض الفنان العالمي "سامي برهان" في أيار مايو/ 2004، وذهب بالفعل إلى الافتتاح وكان اللقاء الذي لا ينساه مع الفنان "برهان"، حيث جلس إلى جانبه بحضور الفنان "سعد يكن" ويقول الغربي إن برهان تحدث إليه بأسلوب أبوي لطيف وطلب منه حينها إحضار بعض أعماله ليراها وفي اليوم التالي سارع الغربي لإحضار لوحة خطها بعبارة "قلبي حبة عنب"، لـ"محمود درويش".
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية