أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

حركة فتح وقانون الاستبدال الإلهي .... أ.د. محمد اسحق الريفي


لنفترض جدلاً – وفقط للحظة واحدة – أن التيار الذي يقود حركة "فتح" ويسيطر على "م.ت.ف." ومؤسساتها ومجالسها ولجانها وأموالها، ويوظف ذلك كله في خدمة برنامجه السياسي المتناغم مع الأجندتين الصهيونية والأمريكية، قد قرر التخلي عن مشروعه السياسي (الفاشل) وتبني أجندة وطنية تقوم على أساس احترام خيار الشعب وإشراك القوى السياسية الفلسطينية كافة في المشروع الوطني التحرري، فعندها كيف سيكون وضع القضية الفلسطينية..؟!

وحتى لا يظن البعض – ونحن نطرح مثل هذه الفرضيات – أن تفكيرنا يجافي الواقع والحقيقة، أو أننا نحلق في فضاء الخيال، فإنه لا بد من التأكيد على أن القضية الفلسطينية تمر الآن بمخاض عسير سيسفر عنه ولادة نظام فلسطيني جديد، بمعايير جديدة، وفي أجواء جديدة تجلت للشعب الفلسطيني فيها حقيقة فشل كل مشاريع التسوية التي سلبت حقه في الدفاع عن نفسه ومقاومة الاحتلال وامتلاك أسباب القوة السياسية والاقتصادي والعسكرية.

هذه النقلة الحاسمة والضرورية ستساعد الشعب الفلسطيني على تجاوز أخطاء الماضي، وتخرجه من مرحلة التيه والتخبط والانقسام، وتنقله من حالة التبعية للقوى المعادية إلى حالة المواجهة الحقيقية لها، ومن حالة العيش على رشاوى الدول الراعية للمشروع الغربي الصهيوني إلى الضغط على هذه الدول لتعيد لشعبنا حقوقه المسلوبة ولتكف شرها عنه، ومن حالة اعتماد العجز معياراً للنهج السياسي ومبرراً للتفريط والتنازل إلى حالة التعبئة والحشد وتوظيف الظروف السياسية الإقليمية والعالمية في خدمة القضية الفلسطينية...

ومن البديهي القول أنه سيترتب على تغيير حركة "فتح" نهجها السياسي الراهن تبعات كثيرة وثقيلة لا يمكن للتيار المتصهين الذي يقودها أن يتحملها. فعلى سبيل المثال، سيفقد هذا التيار كل الصلاحيات والمزايا والنعم التي أنعم بها عليهم أسيادهم في تل أبيب وواشنطن، ولا شكك أنه لن يصبح بمقدورهم جني الأموال الطائلة من وراء ممارسة السمسرة على الأرض والشعب...

وربما تتعرض بعض قيادات هذا التيار وكوادره للاعتقال والملاحقة من قبل الاحتلال، وربما يقوم الاحتلال بنفي بعضهم الآخر خارج فلسطين المحتلة، بعد تجريدهم من كل الأموال التي جمعوها من المتاجرة بتضحيات الشعب الفلسطيني وعذاباته ومعاناته. ولا شك أن الولايات المتحدة ستضع أسماء بعضهم على قائمة لائحتها للإرهاب، وسيحذو الاتحاد الأوروبي في ذلك حذوها، فيصبح من العسير عليهم أن يتحركوا ويتنقلوا ويزاولون وظائفهم ويعيشون حياتهم...، تماماً كما يجري الآن لقادة حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، ولكوادرها وأعضاؤها وأنصارها.

لكن على الأقل سيخرج من حركة "فتح" رجال وطنيون مخلصون يحملون راية الإصلاح والمقاومة ويسلكون طريقاً معاكساً للطريق الذي يسلكه فريق أوسلو و/أو الطابور الخامس، أو هكذا يمكن أن نفترض ونحسن الظن. وفي هذا الحالة سيكون الوضع الفلسطيني بألف خير، فلن يجد الاحتلال من يقبل بالتنسيق الأمني معه لمصلحته، ولن يجد من يطارد المقاومين والمجاهدين ويلاحقهم ويشكل ضغطاً سياسياً كبيراً على المقاومة الفلسطينية.

وكذلك لن يجد الأمريكيون والأوروبيون أدوات رخيصة يستخدمونها في إنجاز أجندتهم الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية، عبر تصفية حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، ومن ثم القضاء على المقاومة الفلسطينية كافة، ولن يجد الغربيون من يساعدهم في إنقاذ النظام الصهيوني وتجاوز أزماته عبر مد جسور التطبيع بينه وبين النظام العربي الرسمي.

إن سلوك فتح للطريق المعاكس سيعفي الشعب الفلسطيني من التمزق وحالة الاستنزاف التي يعيشها، وسيعزز الجبهة الداخلية، وسيقطع على الاحتلال ورعاته الطريق للتآمر على شعبنا وإنهاكه في صراع داخلي. وذلك لأن الجهود كلها ستكون موجهة ضد الاحتلال، ولأن كل الشعب الفلسطيني سينبذ الطابور الخامس، ويرفض الانجرار وراء المخططات والمؤامرات الأمريكية والصهيونية الرامية إلى تصفية المقاومة وتجريد الشعب الفلسطيني من مقومات صموده في وجه الاحتلال والمؤامرات الأمريكية.

أعلم جيداً أن الكثيرين سيعارضون الفرضيات التي يقوم عليها هذا التفاؤل المفرط، بحجة أن حركة "فتح" قد تخلت رسمياً عن الكفاح والنضال وضربت بخيار الشعب عرض الحائط، وذلك عندما وقعت "م.ت.ف." على اتفاقية أوسلو الاستسلامية – وما تفرع عنها من تفاهمات واتفاقيات – وألغت من ميثاقها حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال، وذلك في حضور الرئيس الأمريكي السابق بل كلينتون وتحت قبة المجلس التشريعي في غزة.

ولكن لا مفر أمام حركة "فتح" من سلوك هذا الطريق رغم صعوبته ومشقته، حفاظاً على مصير الشعب الفلسطيني ومصالحه العليا، وتصحيحاً للمسار وتجاوزاً للانحراف. ومن يتخلى عن هذا الطريق فسيخضع لقانون الاستبدال الإلهي: {... وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} (محمد38). وبعدها لن يجدي أحداً نفعاً البكاء على أمجاد الماضي وتضحيات ذرتها الرياح في كل اتجاه، فالأعمال بخواتيمها، ولا يحق لأي فصيل أن يمارس وصاية مطلقة على الشعب الفلسطيني، ولا يجوز استنزاف القضية الفلسطينية من أجل إعادة مجد تليد أكل عليه الزمان وشرب.

وهذه دعوة لحركة "فتح" بنبذ فريق التفريط الذي يقودها إلى الهاوية، وتصحيح المسار وتجاوز الانحراف، والعودة إلى حضن الشعب الفلسطيني، واتباع النهج الذي يؤدي إلى تمتين الجبهة الداخلية وإجبار الاحتلال ورعاته الغربيين على الرضوخ لمطالب الشعب الفلسطيني.

19/09/2007م

(122)    هل أعجبتك المقالة (123)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي