أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

"بركات" يفتح الصندوق الأسود لـ"خلية الأزمة"

تمكّن الشاب "عبد المجيد بركات" من دخول الحلقة الأضيق التي تضم كبار ضباط النظام فيما سُمي بـ"خلية الأزمة" في دمشق، والتي تعرضت لتفجير في مثل هذا اليوم عام 2012.

وشغل "بركات" خريج العلوم السياسية 2009 وظيفة مدوّن بيانات ضمن الخلية المنشأة لبحث استراتيجية إخماد الثورة منذ بدايتها، إلى حين انشقاقه وهروبه بمئات الوثائق التي استطاع حملها والتي تدين النظام وتكشف طبيعة تعامله الدموي العنيف مع الثورة السلمية في الأشهر الأولى لانطلاقها.

وكان "بركات" الحاصل على شهادة في العلاقات الدولية وماجستير في العلاقات الدولية قد التحق بوظيفة في قسم إدارة الأزمة عن طريق صديق له كان يعمل في مركز الدراسات التابع للقيادة القطرية في نيسان ابريل/2011، وكان حينها -كما يروي لـ"زمان الوصل" ينسق سراً مع عدد من اللجان الثورية وتنسيقيات الثورة في ريف حلب ودمشق، وكانت هذه الوظيفة التي لم يتوقعها فرصة ثمينة له ليكون على مقربة من صناع القرار وما الذي يحيكونه للثورة.

*وظيفة حساسة
كان مكتب "بركات" في مبنى القيادة القومية وسط دمشق إلى جانب مكتبين تابعين لخلية الأزمة، وهما مكتب أمانة السر ومكتب القاعة الشامية الذي كانت تقام فيه الاجتماعات اليومية لأعضاء الخلية، وكانت وظيفة "بركات" تتمثل -كما يقول- في تلخيص الوثائق والتقارير الأمنية اليومية وكتابة جدول بيانات وإرسالها لمكتب أمانة السر، ولم يُسمح قط لـ"بركات" بدخول غرفة الاجتماعات، ولكنه كان يرى من يحضرها، بمن فيهم ضباط في القصر الجمهوري وشقيق الأسد الأصغر ماهر، الذي أدرجه الاتحاد الأوروبي حينها على القائمة السوداء بوصفه "المشرف الرئيسي على العنف ضد المتظاهرين".

وروى "بركات" مواليد 1987 أنه حاول الاحتكاك بأعضاء الخلية، ولكن الأمر لم يكن بهذه السهولة، وعندما أصبح "حسن توركماني" رئيساً لخلية الأمة أتيح له دخول مكتبه، ولم يكن هناك أمل بحل الأزمة بعقلانية وجدية لدى رموز النظام –كما يقول- إذ كان قرارهم منذ البداية أن المتظاهرين السلميين "مندسون" و"إرهابيون" وليس لدى النظام سوى الحل الأمني والعسكري لا غير.

وكشف محدثنا أن أمانة سر الخلية التي كانت تجاور مكتبه ضمت ضابطين هما اللواء "صلاح الدين النعيمي" والعميد"مصطفى الشرع" وتولى عضويتها الضباط المعروفون في سوريا وهم "آصف شوكت" و"حسن توركماني" و"جميل الحسن" و"هشام الاختيار" و"ديب زيتون" و"داوود راجحة" و"محمد الشعار" و"محمد سعيد بخيتان" و"علي مملوك" و"عبد الفتاح قدسية" رئيس فرع المخابرات العسكرية، وخلال عمله الذي امتد لشهرين تمكن -كما يقول- من تسريب الكثير من الوثائق إلى الإعلام بشكل سري، ودأب على تصويرها في دورة المياه وإرسال نسخ منها إلى أشخاص في المعارضة على صلة به. أو إلى وسائل الإعلام العربية والعالمية التي كانت تتداول هذه الوثائق على أنها من مصدر خاص داخل القصر الجمهوري، مما أثار الشكوك حوله باعتبار أنه كان المدني الوحيد المقرب من خلية الأزمة، مما دعا رئيس الخلية حينها "محمد سعيد بخيتان" لاستدعائه للتحقيق في موضوع تسريب المعلومات والوثائق، فأنكر علاقته بالأمر.

وتابع محدثنا أن مسؤولي الخلية وضعوا له سكرتيرة في مكتبه تراقب كل حركاته وسكناته مما جعل صديقا له في القيادة ينصحه بالخروج من سوريا لأن تقارير أمنية عدة رُفعت به وباتوا يشكّون في أمره.

وروى محدثنا أنه جاء صبيحة 6/1/2011 إلى مكتبه وحمل ما استطاع حمله من وثائق قبل أن يعطّل أجهزة الكمبيوتر والذواكر التي كانوا يعتمدون عليها وقام بلف الوثائق على جسمه قبل أن يخرج من مكتبه بسيارته متجهاً إلى مدينة "مارع"، ومن هناك توجه إلى معبر "باب الهوى" وكانت المعابر جميعها -كما يقول- تحت سلطة النظام، ولم تكن هناك مناطق محررة، فتمكن من الدخول إلى تركيا بجواز سفره الذي لم يكن مدوناً عليه المهنة.

*خبايا نوايا الأسد ضد المتظاهرين
تؤرخ الوثائق التي سربها "بركات" سراً لمرحلة بداية الثورة وحتى انشقاقه في الشهر الأول/2012 وهي مقسمة -كما يوضح- إلى أنواع عدة، مشيراً إلى أنه حاول أن يهرّب من كل نوع أكثر من وثيقة، ومنها وثائق وزارة الداخلية والأمن السياسي وهيئة الأركان ومحاضر جلسات خلية الأزمة وتقارير مكتب الأمن القومي وقرارات بشار الأسد، وبعض الوثائق المتفرقة، وتضمنت هذه الوثائق -حسب قوله- شرحاً للأحداث اليومية وعمليات القتل والمظاهرات وقمعها والتجسس على وفد الجامعة العربية، إضافة إلى العمليات العسكرية والقرارات المتعلقة بتحريك القطع العسكرية وعمليات القصف وأعداد الشبيحة وتوزعهم.

ولفت "بركات" إلى أن من بين وثائقه المسربة قرارات لبشار الأسد بخصوص المحكمة الميدانية العسكرية للمرة الثانية ممن يتم القبض عليهم والتي تفضي إلى الإعدام وهي تعتبر -كما يقول- من أهم الوثائق القانونية، بالإضافة إلى وثائق تتعلق بالأحداث اليومية وتحركات الناشطين في الكتابة على الجدران أو منشورات "فيسبوك" أو المظاهرات، لافتاً إلى أن النظام كان يتجنّب حتى في وثائقه السرية ذكر عبارة القتل المباشر، بل يلجأ لعبارات تمويهية، لعلمه بأن هذه الوثائق يمكن أن تصل ذات يوم لأحد ما.

بقي الشاب المتحدّر من بلدة "بارح التركمان" بريف حلب في اسطنبول حوالي شهر ونصف دون أن يكشف عن وثائقه لأن والدته كانت لا تزال في سوريا، وبعدها خرج إلى العلن، وقال في تصريحات تلفزيونية إنه يريد أن تذهب الوثائق التي هرّبها إلى المحكمة الجنائية الدولية.

وكشف "بركات" أن رئيس إدارة الأزمة اللواء "حسن توركماني" تواصل آنذاك مع عمه "عبد المجيد بركات" شيخ التركمان في سوريا -شمال حلب- طالباً منه إعادته وزاعماً أنه سيسوي وضعه الأمني.

*تجاهل المعارضة
بعد انكشاف أمر الوثائق الدسمة حاول "بركات" التواصل مع الجهات الرسمية في المعارضة السورية وبخاصة المجلس الوطني ليعرضها عليهم، ولم يلق –حسب قوله- اهتماماً منهم رغم أن الوثائق التي بحوزته كانت مهمة جداً، وكذلك حاول التواصل مع المكتب القانوني في ائتلاف المعارضة بعد تشكيلها ولم يلقَ أي تجاوب، وتواصل أيضاً مع رئيس هيئة التفاوض "رياض حجاب" لذات الغرض، فأبدى الثاني اهتمامه الأولي بالموضوع وأنه سيستفيد من هذه الوثائق في الضغط السياسي والقانوني، ولكن أياً من ذلك لم يحصل وكان الأمر مجرد كلام.

ونظرا لعدم وجود جهة في المعارضة تهتم بهذه الوثائق اضطر "بركات" -كما يقول- للتواصل مع الإعلام، فشارك في سلسلة حلقات أعدتها قناة "العربية" و"الجزيرة" وقناة "سوريا الغد" وبعض القنوات الأجنبية عن هذه الوثائق وأهميتها القانونية، ولكن لم يتواصل معه سوى بعض المنظمات الدولية القانونية في بروكسل وهولندا وإيطاليا ممن أبدوا اهتمامهم بالموضوع.

وأعرب محدثنا عن أسفه لأن أي جهة ثورية معارضة لم تبد مثل هذا الاهتمام بوثائقه المسربة.

فارس الرفاعي - زمان الوصل
(247)    هل أعجبتك المقالة (232)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي