أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

"تيسير بكسراوي".. مثقف سوري عانى مضايقات النظام في وطنه والتهميش في منفاه

لا تختلف محنة المثقف السوري المعارض لنظام الأسد سواء كان حياً أو ميتاً، فهو في الحالتين شريد وطريد، وقصة الإعلامي والشاعر "تيسير بكسراوي" مثال صارخ على هذه المحنة، حيث حاربه نظام الأسد حياً قبل الثورة بسبب انتمائه السياسي ولاحقه إلى منفاه بعد أن اختار اللجوء ليموت صريع القهر والمرض على باب أحد المستشفيات اللبنانية في مثل هذا اليوم 7/1/ 2019. وينحدر "بكسراوي" من جبل الأكراد شمال اللاذقية وكانت ولادته في قرية "أرملا" بريف اللاذقية الشمالي بحكم عمل والده في سلك الشرطة هناك، مما جعله يتنقل بين عدة مدن في صغره.

والتحق بمدرسة "الكاظمية" الابتدائية في "الحفة" إلى الصف التاسع، ثم دخل مدرسة "عبد الحليم سعد" الإعدادية ليختص بعد انتهائه من المرحلة الإعدادية في فرع الصناعة اختصاص ميكانيك، وخلال فترة دراسته الثانوية نمت لديه موهبة الشعر وتتلمذ عام 1980 على يد الشاعر "عبد الرزاق اليوسف" الذي كان عوناً له في مجال الأدب والشعر.

بالتزامن مع دراسته عمل "بكسراوي" منذ مرحلة المراهقة في مجال الدهان والديكور لكي يعين عائلته قدر المستطاع، وانتقل بعدها للعمل كبحار وتغرب زهاء عام في البحر كي يجني قوت عائلته بسبب الظروف المادية الصعبة التي تمر بها عائلته، وعندما عاد للوطن ابتسمت له الحياة، وتوظف في حقول النفط في "رميلان" الحسكة، غير أن فرحته لم تدم إذ تعرض للمضايقات من قبل أجهزة النظام الأمنية بسبب مشاركته في نشاطات مناوئة للنظام الحاكم منذ الثمانينات، وبسبب آرائه اليسارية وتعرض جراء ذلك لعدة تجارب اعتقال أولها عندما كان  في 16 من عمره عام 1980بسبب رفضه لطريقة القمع التي يتعرض لها رفاقه الشيوعيون.

وكانت المرة الثانية بسبب قصيدة ألقاها في المركز الثقافي والتي كان الأمن السياسي قد منعه من إلقائها مسبقاً، ناهيك عن فترات استجوابه في الوظيفة عندما كان موظفاً في شركة النفط لميوله المغايرة للتيار السياسي السائد، ما دفعه للاستقالة من العمل ليتجه بعدها للبنان عام 2012، ويعود لمهنته القديمة في الديكور.

وروى الصحفي "نوار بكسراوي" ابن الشاعر الراحل لـ"زمان الوصل" أن فترة لجوء والده إلى لبنان لم تكن فترة استراحة، بل كان مواظباً على حضور اجتماعات وندوات شعرية تخللها تنديده بالقمع والممارسات الوحشية التي كان ينقلها في جميع مجالسه.

وبسبب تلك النشاطات لم يسلم من بطش النظام، فقد لاحقه مخبرو النظام بأقلامهم وتقاريرهم القذرة التي جعلت منه مطلوباً لمخابرات النظام في الداخل رغم لجوئه.

وتابع محدثنا أن والده ورغم تاريخه الصحفي الحافل سابقاً بقي مصراً على شغفه بالكتابة، لكن للأسف لم يلقَ اذاناً صاغية لأن قلمه لم يكن رهن حسابات المعارضة من تطبيل وتهليل، أما المؤسسات الصحفية اللبنانية فلم ترحب به كثيراَ لأنها تخضع لتقسيمات ومحاصصات حزبية، وحتى عنصرية لم تعمل على احتضان النخب السورية المثقفة، بل على العكس كانت تخنقهم وتجتذب بعضهم لأجندتها الضيقة التي تتبع النظام الحاكم في غالبها، مما اضطره -كما يقول- إلى العمل في مهنة الدهان والديكور التي امتهنها منذ شبابه ليؤمن قوت يومه لصعوبة العمل الصحفي في لبنان.

لكن العمل الحر أيضاً لم يكن بمنأى عن سياسيات الحكومة اللبنانية من تضيق خناق على العمال السوريين بسبب الإقامات، وهذا كان عائقاً قوياً في تأمين لقمة العيش حتى أنه تعرض لاعتقال في لبنان بسبب قرارات الدولة اللبنانية بحصر عمل السوريين في مجالات محددة.

وكشف محدثنا أن كل تلك الظروف جعلت من والده الراحل شخصاً مكتئباً فاقداً للأمل في الحياة لعدم قدرته على تأمين احتياجاته الأساسية وعدم وجود جهة ترعاه أو تتبناه، ومع مرور الأيام كان مرض السكري يفتك بجسده حتى وصل لعضلة القلب وتعرض لجلطات عدة في القلب وخضع بعدها لعملية قلب مفتوح وعدة عمليات أخرى دون وجود جهة تضمنه صحياً مع ازدياد المرض وعدم القدرة على العلاج المكلف في لبنان فارق الحياة ليدفن في مقابر الغرباء المخصصة للاجئين السوريين والغرباء عن لبنان بعد أن منع النظام  نقل جثته ليدفن في مسقط رأسه.

وبدوره كشف الناقد والشاعر "ابراهيم يوسف" لـ"زمان الوصل" أنه تعرف إلى الراحل "بكسراوي" في النصف الثاني من الثمانينيات حينما زاره في منزله بمدينة "القامشلي"، وكان حينها اسماً معروفاً في الصحافة الثقافية السورية.

وروى "يوسف" أن الراحل "بكسراوي" عندما انتقل لاجئاً إلى لبنان حاول التواصل مع الأوساط الثقافية ليكتب في الصحف عساه يتمكن من تأمين لقمة لأسرته وأجرة المسكن، ولكن دون جدوى فالنشر هناك يخضع لمحسوبيات ومعايير لا تنطبق عليه.

وأشار المصدر إلى أن "بكسراوي" عانى من مرض السكر في لبنان ولم تتم معالجته بسبب عدم توافر الأدوية والعلاج وتم بتر إبهام إحدى قدميه ورغم ذلك كان يمارس أعمالاً شاقة لتأمين مصاريف ابنه ولم يتمكن -كما يقول- من الهجرة بسبب تكاليف الهجرة غير الشرعية وإغلاق أبواب الهجرة فيما بعد.

وكشف محدثنا أنه حاول مع بعض رفاق "بكسراوي" إنقاذه من خلال بعض المنظمات الإنسانية التي تعنى بحماية الصحفيين.

لكنهم لم يلقوا اذاناً صاغية حتى أنه ذات مرة أرسل صورة اصبعه المبتورة  لإحدى هذه المنظمات ليتأكدوا من حالته ووضعه الصحي الصعب فكان ردهم بأن هذه الصورة تخدش إنسانيتهم لكنها لم تخدش ضميرهم في إنقاذ الراحل "تيسير بكسراوي" والذي كان مصيره الموت بسبب الإهمال.

وللراحل "بكسراوي" الذي كان عضواً في "اتحاد الكتاب العرب" و"اتحاد الصحفيين السوريين" سجل حافل بالمشاركات الصحفية من مقالات وقصائد حصد من خلالها عدة جوائز أدبية ومشاركات في مهرجانات على مستوى الوطن العربي من سوريا للبنان والأردن.

وله عدد كبير من المقالات الأدبية في مجلات وجرائد سورية وعربية فقد عمل في مجلة "الوحدة" و"الثورة" و"بيبلوس" عدا عن مشاركته الكتابية في عدد كبير من المواقع والمجلات العربية، إضافة إلى 3 دواوين شعرية لم تر النور.

فارس الرفاعي - زمان الوصل
(189)    هل أعجبتك المقالة (181)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي