يومان فقط وتنتهي صلاحية القرار الأممي الذي ينص على تمرير المساعدات لملايين السوريين دون موافقة ولا تدخل النظام، من خلال معبر باب الهوى، ما يعني أن وضع هؤلاء الملايين باتوا في قلب الخطر فعليا، ولكن هذا لا يثير قلق موسكو التي لم تعتد فقط على إيقاع المآسي بالسوريين، بل والمتاجرة بهذه المآسي وطرحها في بازارات الابتزاز الرخيصة.
فقد كان من المقرر أن يصوت مجلس الأمن اليوم الخميس على قرار لتمديد العمل بإدخال المساعدات للشمال السوري عبر "باب الهوى"، لكن الموقف المتعنت لموسكو دفع لتأجيل التصويت لموعد لاحق، سيكون على الغالب يوم الجمعة، أي قبل يوم واحد فقط من انتهاء صلاحية القرار القديم.
وعام 2014 تم تبني قرار إدخال المساعدات للسوريين دون موافقة النظام، وقد عملت روسيا بمختلف وسائل الضغط لتحجيمه، ونجحت في عام 2020 في مسخ القرار وتضييقه لأبعد حد ممكن، تضييقا منها على كل منطقة ما زالت خارج قبضة النظام.
مسايرة الدول المؤثرة لروسيا في التلاعب بالقرار الأممي، لم تفض سوى لمزيد من التشدد من طرف موسكو، التي ترفض حاليا حتى فكرة مناقشة القرار الجديد، وتريد إرجاع ملف المساعدات برمته إلى النظام ووضعه كاملا تحت إشرافه دون أي استثناء.
وعلى نفس المنوال، سايرت الدول المعنية بمشروع القرار الجديد روسيا، وأدخلت تعديلات عديدة عليه، لكن رفض موسكو بقي قائما، لتعلن بلسان الحال عدم اكتراثها بخنق ملايين السوريين –المخنوقين أصلا-، بل وسعيها لذلك بكل قوتها ونفوذها في مجلس الأمن.
وكانت الصيغة الأولى لمشروع القرار الجديد تنص على تمرير المساعدات من معبري "باب الهوى" و"اليعربية"، ولكنها عدلت لاحقا بشطب معبر اليعربية والإبقاء فقط على "باب الهوى"، ومع ذلك لم تتراجع موسكو ولم تلن، وما زالت مصرة على وضع ملف المساعدات كاملا بيد نظام بشار الأسد، دون أن يعلم أحد نوع أو حجم الصفقة التي عقدها بشار والروس، في سبيل شراء حق النقض الروسي ووضع موسكو في مواجهة جديدة وعنيفة مع بقية أعضاء مجلس الأمن.
فرنسا التي تترأس حاليا مجلس الأمن، تقود هذه المواجهة الحادة، وقد عبر مندوبها الدائم عن ذلك بتصريحات حازمة، مهددا بتقويض أحلام الروس ونظام بشار في استثمار أموال المساعدات الضخمة، وموضحا أن ما تضخه الدول من أموال ضخمة لإغاثة السوريين سيتوقف كليا إذا ما تم تلزيم ملف المساعدات للنظام مجددا.
وذكّر السفير الفرنسي "نيكولا دو ريفيير" بأن "92% من المساعدات الإنسانية إلى سوريا تقدّمها أوروبا والولايات المتحدة وكندا واليابان".
محذرا: "لا يتوقعنّ أحد أن يعاد تخصيص هذه الأموال لتوجيهها عبر الخطوط الأمامية (عبر بوابة النظام)".
وسبق للجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا أن نبهت في تقريرها الأخير إلى عمق معاناة السوريين، موضحة: مع أن سوريا لم تعد تشهد عمليات القتل الجماعي للمدنيين وهجمات الأسلحة الكيماوية والقصف المكثف للمدن وغيرها من الفظائع، فإن الحرب مستمرة بشكل جدي في بعض الأماكن وتشتعل في أماكن أخرى، كما يتعرض المدنيون للانتهاكات مع الإفلات من العقاب.
ونبه رئيس اللجنة "باولو بينيرو"، إلى إن الصراع في سوريا لم يعد منذ فترة طويلة صراعا محليا بين نظام قاتل ومعارضيه، بل صارت سوريا ساحة جاهزة للسيطرة عليها من قبل الدول القوية.
وأضاف: "5 جيوش دولية ووكلاؤها وعدد كبير من الجهات الفاعلة غير الحكومية الأخرى تواصل القتال في سوريا حتى يومنا هذا"، مذكرا بخطورة الوضع في إدلب حيث يعيش "أكثر من 2.7 مليون نازح داخلي في ظروف بائسة".
من جهته قال نائب منسق الأمم المتحدة الإقليمي للشؤون الإنسانية، مارك كاتس، إن ربط تمرير المساعدات بموافقة النظام وإشرافه، كما تريد روسيا، يعني المجازفة بعمليات أكثر تعقيدا وأن القافلة التي كانت تحتاج ساعة أو ساعتين، ستحتاج إلى 5 أضعاف هذا الوقت"، ما من شأنه تأخير المساعدات وإرهاق الناس أكثر.
" كاتس" صرح بأن حجم عمليات إغاثة الأمم المتحدة عبر" باب الهوى" يناهز ألف شاحنة شهريا، وهو الأكبر من نوعه في العالم، محذرا من انقضاء صلاحية القرار يوم السبت (دون التوصل لقرار جديد)، يعني تعميق المأساة وضياع الأرواح.
زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية