أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

العدوان على سورية ...لن يقف العرب مكتوفي الأيدي!! .. د. عوض السليمان

لم يعد خافياُ على أحد، أن الطائرات الصهيونية اخترقت المجال الجوي السوري، قبل عشرة أيام، وألقت بعض حمولتها من الذخائر فوق الأراضي السورية. وبعيداً عن الجدل السياسي، والاستخباراتي حول هدف هذا العدوان، فإن المسألة تبقى اعتداء سافر على بلد عربي عضو في الجامعة العربية، له ما له من وزن قومي وثقل جغرافي، ومركزية استراتيجية لا يمكن للعرب أو غيرهم المرور من فوقها أو تجاوزها.

ولست هنا بصدد ذكر المناقب الجغرافية والمركزية لسورية، ولكنني وقفت حائراً عندما اطلعت على ردود فعل "الأشقاء" جراء هذه العدوان.

صحيح، أن الدول العربية اليوم تعيش حالة ضعف شديدة، وانهزام كامل لا تشوبه شائبة واحدة من كرامة أو رفع رأس، وصحيح أنني لم أتوقع أن يكون رد الفعل العربي حاسماً، عسكرياً على سبيل المثال، ولكنني توقعت أن يكون الخطاب، ونحن أمة لغة، أشد لهجة، كما لم أتخيل أن بعض الحكومات العربية لن تذكر الموضوع، لا من قريب ولا من بعيد، وكأن الاعتداء لم يقع على بلد عربي شقيق ومجاور.

الجماهيرية الليبية دانت العدوان"وبشدة" داعية " إلى موقف عربي مسؤول ومقتدر يمنع العدوان الإسرائيلي ويكرس السلام الحقيقي الذي يعيد الحقوق لأصحابها". كما دعا مصدر في الخارجية الليبية" إلى موقف عربي أكثر التزاماً بالمواثيق وبالمصالح العربية حتى تكون الأمور في سياقاتها الصحيحة وتستقيم الأوضاع العربية بما يمكن العرب من التعامل بمسؤولية واقتدار مع أي جهود مخلصة وصادقة للسلام الحقيقي الذي يعيد الحقوق إلى أصحابها". لقد راجعت هذا التصريح من خمس إلى عشر مرات لكنني لم أفهم أين الإدانة، فلم أرى الألفاظ التي تدلل على الشجب والاستنكار، مع وجود لفظتي"دانت بشدة". فالتصريح يتحدث عن السلام وإعادة الحقوق لأصحابها، ولكن أية حقوق إذا كانت الجماهيرية الليبية تريد تشكيل دولة واحدة من الصهاينة والعرب تحت مسمى "إسراطين". فهل تقتضي إعادة الحقوق لأصحابها، تقديم تعويضات للصهاينة عن جنودهم الذين قتلوا في المعارك مع العرب، أو الذين انزعجوا وتوترت أعصابهم بسبب حجارة الأطفال في الانتفاضة الفلسطينية، أم أن معنى الحقوق في هذه الجملة هو إعادة كامل فلسطين للفلسطينيين وإن كان كذلك فلم لم يقله التصريح بشكل مباشر.

أبو بكر قربي وزير الخارجية اليمنية اتصل، بنظيره السوري، ليعبر عن إدانة اليمن للاختراق الجوي الصهيوني للأجواء السورية، وأعرب عن دعم بلاده ووقوفها إلى جانب سورية. ولعلكم تلاحظون كما ألاحظ ضعف هذا البيان، بل وانسيابيته، فكأنما يعبر عن تهنئة بفوز في مباراة كرة قدم!.

وزارة الخارجية المصرية أكدت من جانبها "إن هذا التعدي الإسرائيلي على الأجواء السورية لا يزيد الأجواء في المنطقة إلا توتراً وتتحمل إسرائيل مسؤوليته في الوقت الذي يتعين أن يتم فيه الالتزام بالسلام للتوصل إلى تسوية سياسية وسلمية للمشكلات القائمة وليس التلويح بالقوة العسكرية.

عند الحديث عن مصر "أم الدنيا" فإن المسألة تختلف، ففي الوقت الذي انهالت فيه المساعدات العسكرية الأمريكية للصهاينة في حرب تموز ، أعلنت وزارة الإعلام المصرية ومساعدة منها على إزالة آثار العدوان على لبنان، أنها ستقدم للأخير برامج ومسلسلات تلفزيونية بآلاف الجنيهات. وأعتقد أن مصر مستعدة أيضاً، أن تقدم لسورية في حال نشوب الحرب مع الصهاينة أجود الأفلام المصرية، وأروع الأغنيات "لسعد الصغير والمتوسط والكبير أيضاً".

وذكرت وكالة الأنباء القطرية الرسمية" أن مصدراً مسؤولاً في وزارة الخارجية القطرية طالب المجتمع الدولي وبخاصة اللجنة الرباعية الدولية بتحمل مسؤولياتها لوضع حد لمثل هذه التصرفات العدوانية لتفادي أي تداعيات سلبية تؤثر على الأمن والاستقرار في المنطقة والعمل على تهدئة الأوضاع وخلق الظروف المناسبة لدعم الجهود المبذولة حول السلام في المنطقة التي لا تتحمل المزيد من التوترات".

هكذا ببساطة طالب البيان القطري، الذي لا نعرف من صرح به على وجه الدقة، أن يتحمل المجتمع الدولي مسؤولياته، ولم يطالب البيان، بتحمل الدول العربية مسؤولياتها تجاه العدوان. وكغيره من التصريحات البائسة، ذكّر بعملية السلام، والأمن والاستقرار.

احذروا الآن، فقد وصل عمرو موسى، الذي "طالب اللجنة الرباعية والمجتمع الدولي بالتعامل بجدية مع هذا الخرق الإسرائيلي للأجواء السورية وما قد ينتج عنه من تداعيات سلبية على مصالح المنطقة وأمنها وكذلك على الجهود المبذولة إقليميا ودولياً لإحياء عملية السلام. عجيب هذا التطابق بين تصريح السيد عمرو موسى والتصريح القطري وللوهلة الأولى ظننت أنه بيان مشترك، أو أن السيد عمرو كان في ضيافة قطر إبان ذلك التصريح. ولكن بالتفحص غير الدقيق، نجد أن تصريح السيد موسى لا يختلف عن التصريحات السابقة النائمة كلها. فهي جميعاً تشترك بالحديث عن إحياء عميلة السلام" بعد موتها"، وتطالب المجتمع الدولي بالضغط على الصهاينة ليكفوا عن الاعتداءات على الدول العربية.

والحقيقة أن الحكومات العربية ماهرة في حث المجتمع الدولي، وحث مجلس الأمن، والأمم المتحدة، ومنظمة عدم الانحياز، فقد حثت هذه الحكومات أمريكا على عدم احتلال العراق، وحثت مجلس الأمن على إعادة مرتفعات الجولان إلى سورية، وحثت المجلس أيضاً على إصدار قرارات ملزمة لكي ينسحب الصهاينة من الأراضي المحتلة!!. وهي أيضاً حثت العراق على التعاون الكامل مع المنظمة الدولية للتخلص من أسلحة الدمار الشامل!!. وحثت سورية على التعاون الكامل مع إرادة الشرعية الدولية في التحقيق في مقتل رفيق الحريري!!. ولا يزال لدينا آلاف الأمثلة عن عمل هذه الحكومات وهذه الجامعة المسخ. وكلهم يتحدثون عن السلام، وعدم الانجرار لحرب يحدد زمانها ومكانها العدو. وقد رأينا أن نسمي الجامعة مجلس حكماء الأمة، لما تحمله هذه المؤسسة من تعقل وحكمة وبصيرة في التعامل مع العدو. في الوقت الذي تسحق فيه الجيوش العربية أي سوق خضار اعترض فيه أحد الناس على سعر الفجل أو البطاطا. ولعلكم رأيتم رجولة ونخوة الجيش اللبناني في معارك نهر البارد، بعد أن ظننت واقتنعت أن لبنان دولة بلا جيش.

مؤسف أن نعترف إن الإدانات الأشد لهجة جاءت من دول غير عربية كإيران وروسيا. حتى إن دولاً عربية علقت على الحادث عن طريق بعض الصحف ولم تكلف نفسها عناء تصريح لخارجيتها ولا لداخليتها. وأبعد من ذلك فقد صمتت دول عربية وبشكل كامل عن الحديث حول هذا العدوان، حتى إن صحفها المحلية لم تشر إلى الحادثة البتة وكأن شيئاً لم يكن. وأشد إيلاماً أن تصدر هذه المواقف" بلا مواقف" من دول عربية رزينة، وذات ثقل ولكنها غلّبت لغة الخلاف على لغة الإخوة!!.

إنني لن أملّ من القول إن الحل الوحيد أمام سورية للرد على هذا العدوان، هو الحرب، لا شيء غيرها، وألا تنظر القيادة السورية إلى مجالس الحكماء والعقلاء، أصحاب الزمان والمكان المناسبين. ويكفينا انتظاراً وانحداراً.

قلت لكم في غرة هذا المقال أن العرب لن يقفوا مكتوفي الأيدي في حال اعتداء على سورية، وهذا مؤكد لأنهم "سيجلسون" مكتوفي الأيدي وربما سيغضون البصر فنحن في شهر فضيل!!.

فرنسا
(136)    هل أعجبتك المقالة (136)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي