أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

ثورة من نوع آخر في إدلب.. البديل الذي قدم ضوءا في نهاية نفق الظلام

فوق أسطح الأبنية، بما فيها التي قد تبدو مهجورة، وبجانب الخيام التي تؤوي نازحين باتت البيوت حلما لهم، تنتشر ألواح سوداء، بدأت تنمو كالفطر في "جيب" يؤوي أكثر من 4 ملايين شخص، مقدمة للناس بديلا للطاقة، يبدو انتشاره الكبير مدهشا إزاء مظاهر البؤس المحيطة.

فقد نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا مطولا، تولت "زمان الوصل" ترجمة أهم نقاطه، ودار حول ما سمته الصحيفة الانفجار الهائل والمفاجئ في انتشار ألواح ومعدات الطاقة الشمسية الخاصة بتوليد الكهرباء، حيث لم يجد هؤلاء بديلا مناسبا لإضاءة منازلهم وتسيير أمور حياتهم البسيطة، أقل وطأة من تلك الألواح، التي تبدو على غلاء أسعارها مقبولة إذا ما قورنت بأسعار الديزل والبنزين التي لم تتوقف يوما عن الصعود.

وحاولت "نيويورك تايمز" أن توصف المشهد الطاغي في إدلب اليوم، مسمية إياه "ثورة شمسية غير متوقعة"، تجلت في تبني أعداد كبيرة من الناس لطاقة الشمس، حيث تنتشر الألواح بأحجامها المختلفة الكبيرة والصغير، القديمة منها والجديدة، في مختلف بلدات إدلب على طول الحدود السورية مع تركيا، منصوبة فوق أسطح المباني وشرفاتها، أو قرب خيام اللاجئين، أو في المزارع والورش.


وأشارت الصحيفة إلى أن الكثيرين في الغرب ينظرون إلى اقتناء الألواح الشمسية على أنه علامة من علامات الثراء، وقد استثمرت الدول الغنية مثل الولايات المتحدة مليارات الدولارات للترويج للطاقة البديلة، لكن الطفرة التي تشهدها إدلب الخارجة عن سيطرة نظام الأسد، لا علاقة لها اليوم بأجندة الدول في التحول إلى الطاقات البديلة، وعلى رأسها تجنب العواقب الكارثية لتغير المناخ.. ففي إدلب لا أحد تقريبا يفكر بهذه العواقب، واعتماد ألواح الطاقة الشمسية مرتبط هنا بضرورة إيجاد بديل مستمر للطاقة، التي لم يعد الكثيرون يطيقون فاتورة توليدها عبر الأجهزة التقليدية (مولدات الديزل والبنزين).

فعندما عمد نظام الأسد لقطع التغذية الكهربائية عن إدلب، استعان الناس بالمولدات، فصار الضجيج المصاحب للأدخنة السامة جزءا من مشهد الحياة اليومية، واستمر الحال كذلك بينما  كان معظم الوقود يرد إلى إدلب من آبار نفط تقع تحت سيطرة تنظيم الدولة، مكررا بطريقة بدائية ما يجعله ملوثا جدا، ومساهما فعالا في تعطيل المولدات بصورة متكررة. 

ومع خسارة التنظيم آخر معاقله، وجد الناس في إدلب أنفسهم مضطرين لاستيراد الوقود من تركيا.. وقود أكثر نقاء، لكنه بضعف سعر الوقود الذي كان يرد من مناطق التنظيم، حيث صار سعر البرميل الواحد من الديزل يكلف 150 دولار، فيما كان سابقا بنحو 60 دولارا.

وإزاء هذا الوضع برز البديل الذي لا يوجد في الميدان سواه.. وهو كما يقول أكرم عباس أحد المتاجرين بالألواح الشمسية في بلدة الدانا إنه "نعمة من الله"، فالشمس متاحة للجميع ولا يستطيع أحد حجبها، ولكن العلة تكمن في تخزين طاقتها والتكلفة الواجبة للحصول عليها، وهو ما أوجد سوقا رائجة أزاحت من مشهدها المولدات لتتصدر مكانها الألواح.

أحمد فلاحة، الذي يبيع الألواح الشمسية وملحقاتها في بلدة بنش، لا يجادل بأن ارتفاع أسعار المحروقات هو دفع الناس إلى أحضان الطاقة الشمسية.


كان "فلاحة" يبيع المولدات في الأصل، لكنه أضاف الألواح الشمسية إلى تجارته عام 2014، يومها لم تكن هذه الألواح شائعة، ولكن ما إن ارتفعت أثمان الوقود، حتى بدأ من ليس لديهم ألواح طاقة يرون أن من لديهم هذه الألواح ينعمون بالإنارة المتواصلة في الليل، وهكذا بدأ سحب البساط من تحت المولدات، ووجد "فلاحة" نفسه يتخلى عن بيعها نهائيا عام 2017، مركزا كل اهتمامه على بيع وتسويق الألواح الشمسية.

وأكد "فلاحة" أن الألواح الأكثر مبيعا لديه هي الألواح الكندية الصنع، والتي تبلغ قوتها 130 واط، أما من يريد طاقة أكثر فقد يجد في الألواح الصينية 400 واط طلبه.

ولفت "فلاحة" إلى أن المجموعة النموذجية لمنزل صغير، تتألف 4 ألواح وبطاريتين وكابلات ومعدات أخرى، تكلف في مجملها 550 دولارا (الدولار يناهز 3 آلاف ليرة سورية، وحوالي 8.5 ليرات تركية)، وعبر هذه المجموعة يستطيع الزبون تشغيل ثلاجة أو غسالة أثناء النهار، والمصابيح وجهاز التلفزيون في الليل.

وشيئا فشيئا، لم تعد الألواح مقصورة على شرفات المنازل وأسطحها، بل امتدت لتأخذ مكانها وسط ورش كبيرة ومشروعات زراعية وحيوانية، وقد باع "فلاحة" مؤخرا صفقة كبيرة قوامها 160 لوحا شمسيا لصاحب مشروع زراعي أرهقه شراء الديزل لتشغيل مضخة الري، وصار يفتش عن بديل.

يقول "فلاحة": إنها مكلفة في البداية، لكنها مجانية، مستعرضا مقطعا على هاتفه يظهر مرشات ماء تعمل بالطاقة الشمسية، لتسقي حقلا خصبا.

لقد سر المزارعون الذين اعتمدوا الطاقة الشمسية بانعدام الضوضاء وانبعاثات الدخان التي كانت تصدر عن المولدات، لكن الحافز الأساسي بلا شك هو التكلفة، فالناس هنا "آخر ما يفكرون فيه هو البيئة".. يؤكد "فلاحة"، بينما يعمد أحدهم إلى سكب حامض البطارية (الأسيد) في بالوعة المحل.

بعيدا عن العمران، يقف "م.ك، 46 عاما، وسط مزرعته التي تموج بمحاصيل مختلفة من الفول والباذنجان والثوم.

في السنوات الأخيرة، أصبح سعر الديزل لتشغيل مضخة الري التي مضى عليها 40 عاما باهظا لدرجة أنه كاد يلتهم أي أرباح لهذا المزارع، وهذا ما دفعه لإنفاق عشرات آلاف الدولارات لتركيب مجموعة ضخمة من ألواح الطاقة، نصبها فوق سطح مدجنة مهجورة. 
ويبدو "م.ك" قانعا اليوم بأداء هذه الألواح، معلقا: "صحيح أنها تكلف الكثير، لكنك تنسى الأمر بعد ذلك لفترة طويلة".

معظم الناس هنا لديهم احتياجات أبسط للطاقة وأموال أقل بكثير للاستثمار، فأكثر من نصف عدد السكان البالغ 4.2 ملايين، هم في النهاية "نازحون" من مناطق أخرى في سوريا، وهؤلاء بالذات يكافح معظمهم لتأمين أساسيات الحياة.

عدد غير قليل من النازحين يعيشون في مخيمات مزدحمة، ولهؤلاء يبدو لوح شمسي واحد  كافيا لإنتاج طاقة تغذي هواتفهم وتشغل مصابيح توفير في خيامهم خلال الليل، وهذا لا يمنع من وجود آخرين اقتنوا 3 أو 4 لوحات، لأجل تشغيل أجهزة أخرى مثل التلفزيون.

في مدينة إدلب، استقر "أ.ب"، رجل إطفاء سابق، مع عائلته في الطابق الثاني من مبنى سكني مكون من 4 طوابق تعرض سقفه لضربة في غارة جوية.

يؤكد "ب" أنهم نزحوا 6 مرات خلال الحرب، ولذلك فقدوا  كل شيء تقريبا، وهم اليوم يعيشون في شبه مسكن، فمعظم الغرف تفتقر إلى النوافذ، التي استعيض عنها بالبطانيات، وليس ذلك فحسب، بل إن العائلة لم تستطع تدبر ثمن وقود التدفئة في الشتاء، ولجأت إلى إحراق قشور الفستق لتأمين قليل من الدفء.

ومع كل هذه الصعوبات، لم يجد "ب" بدا من البحث عن مصدر للطاقة، فتمكن أخيرا من شراء 4 ألواح شمسية مستعملة ثبتها على الشرفة.
عندما غابت الشمس، كان لدى عائلة "ب" طاقة كافية لضخ المياه إلى الشقة، وأيضا لإضاءة بعض المصابيح في الليل.

ترجمة: زمان الوصل
(198)    هل أعجبتك المقالة (239)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي