لا يمكن لمن يمر في شارع "الملك فيصل" وسط العاصمة الأردنية عمان إلا أن يرى كشكاً صغيراً على الرصيف لا تتجاوز مساحته الأمتار القليلة أطلق عليه "كشك الثقافة العربية"، وقد امتلأت واجهاته الأربع بمئات الكتب والصحف والمجلات وإلى جانبه بدا صاحب الكشك "حسن أبو علي" الذي يلقبه مثقفو عمان بـ"مدبولي الأردن" وتحول مع ركنه الثقافي هذا إلى معلم من معالم مدينة "الجبال السبعة" منذ أكثر من 40 عاماً، ولكن رحلته مع عوالم الورق ببيع الجرائد والمجلات بدأت قبل أكثر من 55 عاماً ويكاد يكون أقدم وراقي عمان المعاصرين.
وروى أبو علي لـ"زمان الوصل" أن علاقته ببيع الصحف والمجلات بدأت حين كان لا يزال في 11 من عمره، وحينها كان يبيع جريدتي "الدفاع" و"فلسطين" اللتين كانتا تأتيان من القدس وكان ثمن الجريدة منهما قرش ونصف، كما يقول.
وتابع الوراق العماني أنه تعلم مهنة بيع الكتب والمجلات والصحف وأسرارها من الراحل "سامي السعيد" الذي كان أحد موظفي الإذاعة الأردنية وهو من علمه كيف يبيع الكتاب عندما لم يكن أغلى كتاب لا يتجاوز ثمنه الربع دينار، وفي 1978 أسس كشكه الحالي التابع لنقابة الصحفيين الأردنيين وكان نقيب الصحفيين آنذاك الصحفي "راكان المجالي" ورئيس تحرير جريدة "الرأي" في الوقت ذاته.
واستعاد محدثنا جوانب من تاريخ المكتبة وعلاقة الأدباء الأردنيين والعرب بها مشيراً إلى أن أغلب أدباء الأردن اعتادوا على ارتياد مكتبته الصغيرة ومنهم "صلاح جرار" و"خالد كركي" والشاعر "حيدر محمود" والروائي الراحل "مؤنس الرزاز" الذي كتب في صحيفة "الرأي" ذات يوم مقالاً تناول فيه الكشك بعنوان "السلطة ورأس المال والثقافة"، وكذلك الشاعر الراحل "تيسير سبول" الذي كان يتقاسم معه السيجارة، حسب تعبيره.
ومن الأدباء العرب الشاعر الراحل "سميح القاسم" الذي كان يحرص على زيارة الكشك كلما أتى إلى الأردن وكذلك الروائي الراحل "عبد الرحمن منيف" الذي اعتاد كلما وصل إلى الأردن أن يترك حقيبته في الفندق ويأتي لفوره إلى "كشك الثقافة العربية" وأجمل ما كتب عن عمان في كتابه "سيرة مدينة" وكذلك شاعر العامية المصري المعروف "أحمد فؤاد نجم" والمفكر البحريني "محمد جابر الأنصاري" والشاعر العراقي "عبد الوهاب البياتي" الذي زاره وأبدى إعجابه بما يُمثله "كشك الثقافة" من تعبير عن الحالة الثقافية والفكرية الأردنية، وغيرهم من الأدباء والمبدعين.
ولم يقتصر رواد المكتبة على الأدباء والشعراء بل اعتاد العديد من صانعي القرار الذين عرفتهم عمّان والعالم العربي ومشاهير السياسة والمجتمع على زيارتها ومنهم رئيس الوزراء الأردني ورئيس مجلس الأعيان "عبد الرؤوف الروابدة" الذي تربطه بصاحب المكتبة صداقة متينة جداً -كما يقول- وكذلك رئيس الوزراء الأردني الأسبق "عمر الرزاز"، ورئيس الوزراء الأردني والسياسي الراحل "وصفي التل" الذي كانت تربطه به علاقة مميزة جداً وكان -كما يقول- ينتظره عند باب "مطعم جبري" في عمان كل يوم خميس مع مدير الإذاعة الأردنية آنذاك "صلاح أبو زيد" لكي يشتري منه جريدة "النهار" اللبنانية التي كان ثمنها في ذلك الوقت قرشين ونصف وكان يعطيه 10 قروش ثمنها.
ومن المشاهير الذين ارتادوا الكشك -كما يقول أبو علي- الملكة "رانيا العبد الله" التي زارته منذ سنوات واستمعت إلى شرحه عن "قاع المدينة" و"عمان" وعلاقته بهذه المدينة، مضيفاً أن السيدة "رانيا" اشترت من المكتبة ثلاثة كتب وهي "سيرة مدينة" للروائي الراحل "عبد الرحمن منيف" و"أبناء القلعة" لـ"زياد قاسم" وكتاب "بنات عمان" لـ"عايدة النجار" ولا يزال -كما يقول- يحتفظ بصورتها التي زين بها واجهة الكشك من الأعلى وحينها كتبت الصحافة أن الملكة زارت وزير الثقافة الشعبية، وصافحته وسألته عن أحوال الناس وعن إقبال أهالي عمان على شراء الكتب والصحف.
وكشف الوراق السبعيني أنه نال وسام الاستقلال (الكوكب) من الدرجة الرابعة، وميدالية فضية من الدرجة الثانية وجرى تكريمه من قبل جلالة الملك عبد الله بن الحسين لعلاقته بأدباء الأردن عامة ودوره في الحركة الثقافية وذلك بمناسبة الاحتفال بعمان عاصمة للثقافة العربية في العام 2002.
وحول علاقته بالكتب التي يبيعها أشار "أبو علي" إلى أنه دأب على القراءة في الشتاء وليس في الصيف لفراغ وقته وقلة زبائن المكتبة حيث يضطر إلى إدخال المعروضات من كتب ومطبوعات إلى داخل المكتبة خوفا من البلل دون أن يضطر لمراقبتها بين الفينة والأخرى، وأردف أنه عندما يمسك الرواية أو المجموعة القصصية أو الكتاب المعرفي ويستمتع قراءته لا يتركه حتى ينهيه وكثيراً ما ينشغل عن زبائن المكتبة.
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية