ليست الأخيرة ولن تكون ما دام السوري في شتاته وهجرته الطويلة، وما دامت الطوائف والأحزاب والمصالح المتصارعة في بلدان اللجوء ترى فيه مجرد أداة بائسة في معارك الانتخابات والاقتصاد وسياسات الـ(جكارة) والشطارة.
أليس هو الضعيف البائس الذي لا ظهر له ولا بلد، والهارب والمطارد واللاجئ والكسير والفقير، ومكسر العصا في صراعات الكبار والصغار..فلا ريب أن يذبح ويطرد وتحرق منازله أينما حلّ، وأن يضرب بالعصي والحديد، وتشتم بلاده وأمه وعرضه.
في (بشريّ) البلدة اللبنانية الطائفية العنصرية هاجم أهلها كل السوريين فيها، وحرقوا بيوتهم وطردوهم في منصف الليل لأن عاملاً سورياً قتل أحد أبنائها، ولم يهرب بل قام بتسليم نفسه إلى الدرك اللبناني، ومع أن الأسباب لم تتضح بعد، إلآ أن الغضب المتراكم والحقد دفع سكانها إلى طرد العائلات السورية التي لا ذنب لها سوى أنها تحمل جنسية القاتل.
الحقد لم يكن وليد لحظة القتل ولكنه تراكم مع سنوات اللجوء التي طالت، والبلدة التي تتحدث عن العمالة السورية كما لو أنها أفقرت لبنان سبق لها أن رفعت شعارات طردهم، ومنع تجوالهم في شوارعها، وهذا كان واضحاً في بيان رئيس بلديتها ووجهائها الذين اعترفوا أن الأمر ليس بجديد، وأنهم لا يريدون غريباً فيها.
وبشرّي ليست الوحيدة التي اضطهدت السوريين المطاردين بل كل لبنان الشقيق الصغير -وإن تفاوت الظلم- مارس عقده وأحقاده عليهم انتقاماً من ماضي جيش الأسد الأب، وآخرون مارسوه دفاعاً عن آل الأسد الإبن. بين نارين عاش السوري في لبنان لا يرضي أحدا ولا يرى فيه أحد سوى جامع قمامة أو قاتل مؤجل، وتحت عناوين الضائقة الاقتصادية والإرهاب ارتفعت أصوات سياسيين في لبنان من أجل طرد السوري، وبدأت من (بي الكل) حتى صهره جبران، وبعض الفنانين وأهل الصحافة الذين اتهموا السوري بنشر الأوبئة والأمراض والدعارة واللصوصية والقتل وكأن لبنان جنة الله على الأرض، ومدينته الفاضلة.
جيش لبنان مارس أيضاً بطولته على السوريين.. أليس هو الجيش الصغير للجيش السوري الباسل، واقتحم بيوت السوريين وفتشها والسبب كما أوردت الوكالة الوطنية للإعلام شقيقة وكالة سانا: (الجيش اللبناني قام بالحملة بعدما تبين وجود سلاح منفلت في الجريمة التي ارتكبها أحد السوريين الاثنين وكان ضحيتها الشاب جوزيف طوق).
لا يريد السوري العاقل البقاء خارج بيته، ولا يريد أن يعمل عند أحد، ولا أن يكون أجيراً لأحد، ولكن من يعطيه الأمان لكي يعود وهو على بعد شريط حدودي من بلاده، وفي كل مكان قدم كل ما يمكن كي لا يصير متشرداً في بلاد الغربة ومع ذلك لم يرحم صبره واجتهاده أحد اللهم باستثناء ات قليلة صنعتها بعض الشعوب الطيبة.
بشرّي لبنان ليست سوى معركة صغيرة ستنال من السوريين في لبنان، وتديرها قلوب حاقدة عليهم وأخرى متعاطفة مع قاتليهم ومهجريهم الذي يقفون على الحدود لأخذهم إلى المسالخ وجبهات الموت.
*عبد الرزاق دياب - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية