"نحن المستهدفون، غايتهم إضعافنا للسيطرة أو القضاء علينا، الأمر يبدو أنه ليس مؤامرة، لكن إذا فكرنا بشكل دقيق سنكتشف أنها مؤامرة واضحة".
مثل هذي العبارت شائعة الاستخدام في نقاشات إثبات نظرية المؤامرة التي ابتلينا بها، والمشكلة أن تبنِّي النظرية لا يقتصر على العامة أو متوسطي التعليم، بل يتعداهم إلى المتعلمين والحاصلين على شهادات عليا في مجالات مختلفة.
لا ننكر انتشار نظرية المؤامرة في المجتمعات الغربية، لكن في البلاد الإسلامية والعربية منها على وجه الخصوص، الأمر أكثر تطوراً وتغلغلاً في آلية تفسيرنا لمعظم الأحداث التي نواجهها.
تُعتبر هذه النظرية لدى الفرد العربي أساساً يرتكز عليه في التحليل والتركيب والتفاعل مع كل حدث يواجهه أو يسمع به، ابتداءً من اعتبار كل سائقي سيارات الأجرة عناصر مخابرات، وليس انتهاءً بأحداث الحادي عشر من أيلول أو كورونا.
لعل من أهم دوافع تبني نظرية المؤامرة سهولة إسقاطها على أي حدث، والخروج باستنتاجات ترضي غرورين لدى هذا الفرد أو تلك المجموعة، أولهما: غرور الانتصار على المجهول بكشف السبب وادعاء معرفة الحقيقة، وهذا يُسقط عن كاهل الفرد أو المجموعة مشقة البحث والاستقصاء المتعبة، والثاني: غرور قائم على اعتبار أن هذا الفرد أو مجموعته لهم من الأهمية ما يجعلهم مستهدفين بحياكة المؤامرات ضدهم، ناهيك عن التلذذ بالمظلومية التي تحققها لهم تلك النظرية.
كانت ومازالت نظرية المؤامرة حصان طروادة يَعبُر من خلاله المستبدون لضمان استمرارية استعباد شعوبهم وإخضاعهم، ولا أوضح على ذلك من اتخاذ نظام الأسدين هذه النظرية لإحكام قبضته على السوريين، فشماعة التآمر مع إسرائيل أو جماعة الإخوان المسلمين هي تهمة جاهزة في أية لحظة للتخلص من أي معارض لهم، حتى أن الثورة السورية التي انطلقت من الشوارع والجامعات أُلصقت بها صفة المؤامرة التي تجعل مَنْ ثار للحرية والكرامة أداةً بيد إسرائيل أو أمريكا أو دول الخليج أو تركيا، وفيما بعد أضحى كل المعارضين متهمين بالإرهاب والانتماء لداعش وأخواتها.
يقول صديقي بلهجة المكتشف: (كورونا مؤامرة لإجبار الناس على شراء اللقاح، لتُحقق شركات الصناعات الدوائية أرباحاً خيالية).
وجواباً على هذا الاكتشاف أقول: إن عدد المصابين بالفيروس حول العالم (حتى ساعة إعداد هذه المادة) أقل من 56 مليون مصاب، منهم أكثر من 38 مليون تعافى، وأقل من 1.4 مليون أدت إصابته بالفيروس لوفاته، وبالتالي فأقل من 17 مليوناً حول العالم حاملون للفيروس، ولم يتعافوا بعد.
حتى الآن العقاران اللذان يحظيان بفرصة الاستهلاك الأكبر هما: فايزر 90%، وموديرنا 94.5%.
الأول: إعلان كل من شركة "فايزر" الأمريكية و"بايونتيك" الألمانية المنتجتان للعقار الأول أنهما تطمحان لإنتاج 50 مليون جرعة من اللقاح خلال العام 2020 وحتى 1,3 مليار جرعة خلال العام 2021.
والثاني: إعلان شركة موديرنا الأمريكية عزمها على إنتاج 20 مليون جرعة لاستخدامها في الولايات المتحدة، ومليار جرعة لاستخدامها حول العالم في العام المقبل.
فهذا يعني أنه سيتم إنتاج أقل من 2.5 مليار جرعة حتى نهاية العام المقبل.
وباعتبار أن وسطي سعر اللقاح سيكون 20 دولار بحسب أوجور شاهين رئيس مجلس إدارة "بايونتيك" فهذا يعني أن الدخل الإجمالي للعقارين حتى نهاية 2021 هو 50 مليار دولار.
لنفترض جدلاً أن المبلغ كاملاً يعتبر ربحاً صافياً، فهذا الرقم صغير جداً مقارنة بالخسائر الاقتصادية التي نتجت عن كورونا.
لن نتحدث عن خسائر العالم نتيجة الفيروس، سنتحدث فقط عن الولايات المتحدة الأمريكية انطلاقاً من أن الشركة المنتجة للقاح "موديرنا" أمريكية، وشركة "فايزر" الأمريكية شريك مع بايونتيك الألمانية المنتجتان للقاح الآخر.
تقدر الخسائر التراكمية للولايات المتحدة الأمريكية نتيجة كورونا بنحو 16 ترليون دولار، وفقًا لوزير الخزانة الأمريكي السابق "لورانس سمرز" وزميله الاقتصادي في جامعة هارفارد "ديفيد كاتلر" في مقال لهما نشرته مجلة الجمعية الطبية الأمريكية في الثاني عشر من أكتوبر الفائت، لكن الحكومة الفيدرالية متمثلة بوزارة الصحة والخدمات الإنسانية اشترت 100 مليون جرعة من عقار فايزر بقيمة 1.95 مليار دولار، كما تخطط للحصول على 500 مليون جرعة بحسب البيان الصحفي الذي نشرته فايزر بخصوص الاتفاقية على موقعها الرسمي في الثاني والعشرين من يوليو من العام الجاري، إضافة إلى أن الحكومة ستوزع اللقاح مجاناً على المرضى الأمريكيين بحسب ما أعلن ترامب خلال الإحاطة اليومية حول الفيروس من البيت الأبيض الثلاثاء 11 أغسطس من العام الجاري، ولم يفت بايدن في كلمته التي ألقاها في التاسع من نوفمبر الجاري أن إدارته ستوزع اللقاح مجاناً على كل الأمريكيين.
إذاً الولايات المتحدة تخسر مرتين نتيجة هذي المؤامرة، المرة الأولى خسائر نتيجة الإغلاق وتضرر كل القطاعات دون استثناء بهذا الوباء، والثانية عندما تشتري اللقاح بمليارات الدولارات لتوزعه مجاناً.
هل الحكومة الأمريكية غبية لدرجة أنها تصنع مؤامرة تكون المتضررة الأولى منها؟ أم أن أجهزة الأمن الأمريكية عاجزة عن كشف تلك المؤامرة التي فُرضت عليها وأنهكتها؟!
أما بخصوص الدول الفقيرة، فلنستذكر ما طرحه المدير العام لمنظمة الصحة العالمية "تيدروس غيبريسوس"، في منتدى باريس للسلام الذي انعقد في 11من شهر نوفمبر الجاري، بأن ثمة فجوة مالية بقيمة 28.5 مليار دولار في تمويل مشروع أممي يهدف إلى تسهيل حصول دول العالم على ملياري جرعة من لقاحات كورونا بحلول نهاية العام المقبل، لمساعدة الدول الفقيرة ومتوسطة الدخل على وجه الخصوص للحصول على الجرعات، ومطالبته المجتمع الدولي لسد هذي الفجوة لتأمين اللقاح للجميع.
هنا يجب الإشارة إلى نقطتين: الأولى هي أن نظرية المؤامرة ليست مقتصرة على الأفراد فحسب، بل تتعداها إلى الحكومات في تعاملاتها البينية في حال كان بينها نزاع من نوع ما، كما حدث بين الولايات المتحدة والصين في بداية هذا الوباء، حيث تم تبادل اتهامات المؤامرة بين الدولتين، وهذا يمكن قبوله تحت بند التأثير على الجماهير التابعة لهذي الدولة أو تلك لأهداف سياسية وجماهيرية مرتبطة بالتأييد الجماهيري وشيطنة الخصم ما أمكن.
* أحمد شيخ علي - مساهمة لـ"زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية