أول سوري يقصد المقر الرئاسي الأمريكي رافعاً أمام رجال الشرطة لافتة كُتب عليها: (اخرج من البيت الأبيض يا أوباما) وأول من خطّ لافتاتِ الثورة السورية باللغة الإنكليزية، وأول من أسس إذاعةً ترفع صوت الثورة السورية، تعمل وتبث من الداخل، قليلاً ما كان يخلد للنوم منهمكاً في الإعداد للمظاهرات وكتابة اللافتات، وكثيراً ما كانت تأتيه رسائل من رقم مجهول عبر (واتس أب) رسائل تقول: (حقك رصاصة واحدة)، (لسانك طويل وصار لازمو قص) ، (الله يخليك أولادك..ها ها ها).
كان يقرأ الرسائل، لا يردّ عليها، يبتسم، ويتابع ما بدأه، حتى أنه كثيراً ما كان يعلق على رنين رسالة تأتيه على هاتفه الجوال بروح دعابة (أكيد شي رسالة تهديد).
وبالرغم من كل ذلك لم يغادر وطنه، وظل وفياً للثورة يناضل بلا خوف أو يأس وكان سلاحه الفكرة. إنه رائد الفارس مهندس لافتات كفرنبل وآخر فرسان التيار المدني في الثورة السورية.
في عام 1972 وإلى الجنوب من محافظة إدلب حيث الريف المترامي الخضرة وُلد "رائد الفارس" في مدينة كفرنبل، و بعد حصوله على شهادة الثانوية العامة، توجه إلى جامعة حلب لدراسة الطب البشري، لكنه انقطع عن الدراسة في السنة الثالثة لأسباب شخصية، تنقل بعدها بين لبنان وسورية مشتغلاً في التجارة وفي تسيير المعاملات.
وعند اندلاع الحراك الشعبي في سوريا ربيع 2011، انخرط فيه منذ الأيام الأولى في بلدته كفرنبل.
*رائد الحراك السلمي في كفرنبل:
اشتهر رائد منذ بداية الثورة بتنظيم المظاهرات وبتصميم اللافتات والشعارات الثورية التي يرفعها المتظاهرون في الساحات.
وانضم له صديقه المقرب المصور "حمود جنيد" الذي تولى مهمة تصوير وقائع المظاهرات وبثها، بالإضافة إلى عشرات الناشطين، وقد خطفت اللافتات التي كان يصممها رائد الأنظار، وكانت محط اهتمام وإعجاب شارع الثورة السوري لما تمتع به من ذكاء وإبداعِ الفكرة وعمقها وقدرتها على التأثير مع امتلاكها روح الفكاهة، فمن منا لا يذكر اللافتة التي كُتب عليها (عرض خاص بمناسبة الجمعة السوداء: أحضر عدوكَ وتعال للقتال في سوريا مجاناً) وغيرها..
وبهدف إيصال صوت الشعب الثائر للعالم والغرب سخّر طاقاته كلها فترجم الشعارات إلى اللغة الإنكليزية.
وفي عام 2012 انتُخب ليكون رئيس اتحاد مكاتب الثورة في إدلب الذي يعمل على دعم النشاطات المدنية وتمكين النساء من خلال مشاريع إنتاجية صغيرة تعود بالنفع على الأسر المتضررة.
*راديو فريش fresh:
اتسم "الفارس" بالتطوير والإبداع في نضاله السلمي، فلم يكتفِ بتنظيم المظاهرات وتصميم اللافتات، لكنه أسس في مطلع 2013 راديو (فريش) ليكون أول إذاعة محلية ثورية تعمل وتبث من الداخل السوري، كان راديو "فريش" صوت الثورة، وفضح من خلاله ممارسات النظام والفصائل العسكرية الدخلية على الثورة كداعش وأخواتها والتي لا تخدم الثورة ومطالب الشعب السوري، الأمر الذي لم يرُق لـ"هيئة تحرير الشام" و"النصرة" سابقاً إلى أن اقتحمت مقر الراديو وصادرت المعدات والأجهزة تحت ذرائع تشغيل النساء في كادر العمل وبث الموسيقا، ثم اعتقلته لمرتين واضطر بعدها لإغلاق الراديو.
*سفير الثورة:
لم يدخر "رائد الفارس" جهداً لإيصال صوت الشعب السوري الثائر إلى العالم، وقد ساعده إتقانه للتحدث باللغة الإنكليزية بطلاقة ليشارك في مؤتمر أوسلو للحريات في النرويج، وليلتقي بأعضاء الكونغرس ووزير الخارجية الأمريكي شارحاً قضية الشعب السوري العادلة.
علاوةً على زياراته لعدة ولايات أمريكية ملتقياً الجالية السورية هناك التي تجاوبت معه وفاجئته برفع نفس اللافتات التي كان يصممها في "كفرنبل". كل ذلك جعل منه سفيراً للثورة وصوتها في الخارج.
*رصاصة آخر السطر :
بعد نجاته من محاولة الاغتيال الأولى عام 2014 والتي نجا منها بأعجوبة أدرك أنّ كل يوم يعيشه هو زيادة على عمره، وبالرغم من ذلك واصل رائد نضاله، فبعد أن تم إيقاف "راديو فريش"، ما انقطع عن كتابة اللافتات وتنظيم المظاهرات التي كان يهدف منها إلى عودة الزخم الثوري السلمي الأول والتذكير بأن الثورة السورية هي ثورة شعبية ذات مطالب وحقوق بالدرجة الأولى.
لكن في هذه المرة ما كانت يد الغدر تمهل رائداً ليضع نقطة في آخر سطر اللافتة، فوضعت رصاصة آخر السطر وأخرى في الصدر.
كانت الرصاصات الغادرة قاتلة فقضى رائد وصديقه "حمود جنيد" قبل وصولهما إلى المستشفى، كان يوم الجمعة 2018/11/23 يوماً حزيناً في إدلب وعموم شارع الثورة، ولاقى اغتياله تنديداً محلياً وعالمياً واسعاً، ومن ممثلي دول كأمريكا وبريطانيا.
وقد وُجهت أصابع الاتهام إلى "هيئة تحرير الشام" لكونها تسيطر على المنطقة، ومُنح الشهيد رائد بعد استشهاده جائزة الشجاعة الصحفية في بريطانيا عام 2020.
قضى رائد الفارس رائد الحراك الشعبي السلمي في الشمال، والذي آمن بأن الرصاصة التي تصفق لها اليوم، سيكون قلبك دريئةً لها في الغد، كما قال صديقه الناشط "شادي صعب".
وبموته أصبح من يمثلون التيار المدني في الثورة إما خارج سوريا أو داخل السجن أو القبر . قضى من قال ذات لقاء: إن الثورة فكرة والفكرة لا تموت ولا يقتلها سلاح.
سليمان النحيلي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية