يمتدح النص المقدس مشاعر إنسانية خاصة يرى أنها مفتاح الوصول إلى الخلاص البشري..إنها مشاعر الخوف و التسليم و الخضوع..إن النص المقدس صريح تماما في ضرورة تكريس الإحساس بالعبودية تجاه السماء و يريد بعض من قرأ هذا النص أن يرى في هذا تحريرا للإنسان من عبودية القوى الأرضية..
إن الحديث ينتقل إلى أن الإنسان بالفعل هو مجرد عبد للسماء و أن إقراره بهذه العبودية ليس إلا قبولا بالواقع الفعلي..
هنا يصبح الهدف الحقيقي للإنسان البحث عن الغفران و الرضا الإلهي و تجنب كل نواهيه و التمسك بكل أوامره..لا يخفي النص و لا هؤلاء أنهم يريدون تحطيم الكبرياء الإنساني "غير المبرر" و أنهم يريدون أن يضعوا حدا لجموح العقل الإنساني الذي يبدو أنه عندما ينطلق بحرية و دون كابح فإنه يتحول إلى متمرد أعمى يضيع صاحبه بعيدا عن طريق النجاة..
يقوم هذا الموقف من السماء على أساس الخوف و التخويف , الوعد و الوعيد , التهديد بدرجات استثنائية من العذاب الأبدي جزاءا على عصيانه أوامر السماء و بالمقابل الوعد بدرجات استثنائية من النعيم يترقى فيها الإنسان كلما بالغ في الالتزام بأوامر و نواهي المقدس..بل إن النص يقيم وعده بالنعيم على علاقة مادية نفعية صريحة حتى أنها حسابية أي يخصص لكل فعل جزاء محسوب عدديا بحيث أن مقابل عمل ما كالزكاة مثلا يحسب بعدة أضعاف و هكذا – ما عدا الصوم مثلا فإن ثوابه حسب النص غير محدود يعود فيه الجزاء لله مباشرة..سنرى ذروة هذا الدمج بين النفعي و بين المثالي في قضية الجنس و الأسرة و الزواج..
فالنص يعتبر الزواج الأحادي كما قرره الشكل الوحيد "الإنساني" للعلاقة الجنسية..هذا طبيعي بالنسبة للموقف الطهري الديني التقليدي من الجنس الذي يرى فيه شر يحتاج للتنظيم أي الكبت..لكن كيف يجري هنا اختيار الشريك الجنسي و ما هو مبرر هذه العلاقة "الإنسانية" أي غير "البهيمية" وفق النص المقدس التي يناقض بها العلاقات الجنسية الأخرى "الحيوانية" ؟..إن النص يعتبر أن الرجل – وفق السائد اجتماعيا في المجتمعات الذكورية – هو المبادر بطلب الزواج و أنه يحدد لهذا الراغب في الزواج عدة ميزات في الأنثى ينصحه بأبرزها :
أي التزامها أيضا بالمقدس..أما لماذا هذه العلاقة شرعية , فهي ببساطة كذلك لأن الذكر هنا يستحل فرج شريكته الجنسية بالنفقة التي يدفعها لها , هذا طبعا بعد أن يكون قد تزوجها علنا و خاصة بموافقة أبيها..تصبح القضية مقايضة صريحة تقوم على تخيير الإنسان بين مجموعة مكافآت يمكن أن تحسب بدقة نسبية يمكنه الحصول عليها فقط كلما بالغ في خنوعه و تسليمه بواقعه أي كلما تعامل بمازوخية أكثر مع وجوده و رغباته – فالذنوب ليست هي الأساس إنما هو طلب الغفران من السماء - و بين عذاب أقل ما يقال فيه أنه همجي سادي يتسبب به الإنسان لنفسه عند عصيانه أوامر السماء المكتوبة في النصوص المقدسة..
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية