من المثير للغثيان أن تضطر لتناول موضوع من زاوية طائفية، لكنك تجد نفسك مضطراً ولا محيص لك، إن أردت مناقشة أمر ما له علاقة بالداخل السوري.
صحيح أن للنظام طائفته الخاصة العابرة للطوائف، لكن هذا الأمر فيه شيء من تجميل ما لا يمكن تجميله، فكيف لنا على سبيل المثال أن نناقش التعيينات الخاصة بإدارة المؤسسات الإعلامية من دون أن نشير إلى البوصلة الطائفية، لاسيما إذا علمنا أن على رأس هذه الإدارات أشخاص من طائفة واحدة، بنسبة تتجاوز الـ 99 بالمئة من المعينين.
هذا الأمر يمكن النظر إليه من زاويتين، لا ثالث لهما، الأولى أن النظام تعامل مع الموضوع عبثاً ولم يدرك حقيقة التعيينات، فالأمر اعتيادي، وكما يقال بالعامية السورية "المدعوم بيصل"، وهذا الأمر صحيح لحد بعيد، لكن في الوقت نفسه الكثير من المناصب في سوريا ذات صفة "سيادية" إن صح التعبير، أي أن من يتولاها لابد أن يكون من عظام رقبة النظام، وبالتالي فإن التعين جاء بقرار واعي لا عبثية فيه.
ما سبق يقودنا إلى الزاوية الثانية، وهي أن النظام لم يدرك وحسب أن فئة "المدراء" هذه من طيف واحد، بل هو أرادها وأمعن في الإرادة أيضا، ضاربا بعرض الحائط كل الاعتبارات، حتى الشكلية منها..وهذه الشكلية كثيرة الانتشار في سوريا، كأن يكون من يتولى المنصب "المهم" من خارج إطار "المرضي عنهم" كلياً بحسب اعتبارات الانتماء الطائفي وغيرها من الاعتبارات، ولكنك تجده إما أنه لا يملك قوة تنفيذ القرارات وأن نائبه أو أحد المدراء ممن هم وظيفيا أدنى منه، هو من يدير المؤسسة وهو من يملك قوة التنفيذ وبالتالي هو صاحب الكلمة الفصل.
وربما تجده، أي المدير المعين لاعتبارات شكلية، يدير مؤسسته بقوة "الاتصالات" التي تأتيه من متنفذين أمنيين..
أما إن أراد أن يفرض نفسه وأن يمارس عمله كما ينبغي فربما يتعرض لما تعرض له وزير الصناعة الأسبق الدكتور "عصام الزعيم"، الذي كان باحثا في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي.
فشغل منصب وزير الدولة للتخطيط، ومن ثم تم تعيينه وزيرا للصناعة، وتمتع بسمعة طيبة لم سبقه إليها أحد من الوزراء، فاستولى النظام على أصول الزعيم وزوجته في عام 2003 بتهمة سوء استخدام الأموال العامة من قبل الزوجين، في قضية تبين فيما بعد أنها تتعلق بمعمل غزل جبلة، الذي كان خاضعا لنفوذ سومر كمال الأسد.
في النهاية تمت تبرئته الزعيم وزوجته من جميع التهم لكن الرجل مات في العام 2007 ويجمع العارفون به أنه "قتل قهرا".. بالعودة للإعلام، يروي أحد أصحاب الخبرة في التلفزيون السوري، قبل أن يغادره، أنه كان في التلفزيون، يوم كان يضم القناة الأولى والثانية والإخبارية، 102 مذيعة، جميعهن معين بقوة الاتصالات، ولأن الظهور على الشاشة لجميعهن أمر مستحيل، إذ يحتاج هذا الرقم لأكثر من عشرة محطات تلفزيونية، فكان الظهور حسب قوة الجهة التي تقف خلف هذه المذيعة أو تلك، ويكفي استطلاع أسماء المذيعات اللواتي كنا يظهرن على الشاشة ومازلن، للتيقن من هذه الحقيقة.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية