حط رحاله في الأردن لاجئاً مع أهله ولم يكن يتجاوز الثانية عشرة من عمره. لم يحمل معه سوى حقيبة ملابسه وحلماً بالعودة خطه على جدران منزلهم بقلم ألوانٍ كان آخر عهده بحقيبته المدرسية التي تركها في بيتهم برعاية الغياب والدمار ومضى مع أمه وأبيه وإخوته مثل مئات الآلاف من السوريين هرباً من الحرب نحو جهةٍ كان الجميع يقصدها تسمى "جهة آمنة".
ترعرع الفتى في مدينة "مؤتة" الأردنية حاملاً في قلبه وطنه وملاعب طفولته في الحارة القديمة، وذكرياتٍ أليمة عن الحرب، وعن أصدقاء الطفولة الذين باتوا على قيد الموت أو المنفى.
السوري "محمد عبد المنان وحود" بطل المملكة الأردنية الهاشمية في رياضة كمال الأجسام، وُلد في حي "الخالدية" أحد أهم الأحياء الثائرة ضد نظام الأسد في مدينة حمص عام 1999 في أسرةٍ كادحة، كان قد أنهى مرحلة الدراسة الابتدائية عندما اندلعت الثورة السورية ربيع عام 2011، لجأ مثل آلاف السوريين إلى الأردن مع أسرته طلباً للأمان، وقضى أربعة من أخواله في الثورة السورية وكانوا من الثوار فخاله "رضوان نحيلي" الشهير بـ "قناص حمص" أو "عزرائيل"، وخاله "مروان نحيلي" قائد المجلس العسكري لريف حمص الغربي، وخالاه "وسيم" و"محمد" وابن خاله "صبحي نحيلي" الذي كان بطل الجمهورية وآسيا في ألعاب القوى.
![](https://www.zamanalwsl.net//uploads/eb09cc127473c9aca6dc6804e35a7b9e.jpg)
كانت تأتي لأمه أخبار استشهاد إخوتها الواحد تلو الآخر وهم في الأردن إلى أن وصلها خبر وفاة أبيها اللاجئ في لبنان، الأمر الذي جعل الحزن يخيم على جو العائلة سيما وأن ابن عمه قد قضى أيضاً.
في هذه الأجواء الكئيبة وعلى وقع الدمار والمجازر التي يشهدها وطنه ترعرع هذا الفتى لاجئاً بعيداً عن وطنه، فلم يستسلم لكل هذه المآسي، ونمت عنده روح التحدي والتعالي على الألم وكان يرغب بفعل شيء يُدخل بعضاً من السرور على قلب أمه وأسرته، فانتسب بتشجيع من أبيه وأخيه الأكبر إلى نادي (تيربوجا) الرياضي في مدينة "مؤتة"، وكانت تستهويه رياضة كمال الأجسام، حيث وجد فيها ضالته المنشودة، لأنها تعزز الثقة بالنفس وتطهر من روحه كل شحنات الخوف التي عايشها في وطنه كما يقول.
![](https://www.zamanalwsl.net//uploads/0a54cf80e7b3ac86f98b8e2f55ab4616.jpg)
*مشروع بطل واعد
يتابع "محمد" تدريبه على يد المدرب الأردني "أحمد النوايسة" الحائز على بطولات محلية وعربية والذي وضعه تحت رعايته لما وجد فيه "مشروع بطل واعد".ولأن رياضة كمال الأجسام -كما توصف- هي رياضة الأغنياء لما تتطلبه من مصاريف عالية لزوم التغذية الجيدة التي يحتاجها لاعب هذه الرياضة ولأنه ليس من هؤلاء، فقد اضطر إلى ممارسة عملين معاً فوقع اختيار مدربه عليه ليقوم بتدريب اللاعبين في النادي لما رأى فيه من إخلاص ومثابرة ومتابعة، بالإضافة إلى عمله الحر متابعا مسيرته في الرياضة التي يحب وليأتي موسم قطاف الثمار.
كان أول لقب حازه في عام 2018 حيث حقق المركز الثالث في بطولة الأردن، إلا أن هذا اللقب لم يكن الأخير فقد حاز مؤخراً في بطولة المملكة الأردنية الهاشمية التي أقيمت في العاصمة عمان بتاريخ 2020/10/21 على المركز الثاني لفئة الشباب والمركز الثالث لفئة الرجال متجاوزاً بذلك كبار اللاعبين ذوي الباع الطويل في هذه الرياضة، إلا أنه وبالرغم من الألقاب التي حققها ولم يتجاوز 21 من عمره فإنه يشعر بمرارةٍ وغصةٍ في قلبه فقد كان يتمنى أن يُحتفى به في وطنه وبين أهله، ولذلك فقد أهدى فوزه إلى "شهداء الثورة السورية وإلى الشعب السوري الحر".
وعندما سألناه عن شعوره بعد حصولة على البطولة قال: "نحن اللاجئون نعيش حياتنا بأحزانٍ كاملة ولا نشعرُ عند إنجازاتنا إلاّ بأنصاف أفراح).
سليمان النحيلي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية