على دكة خشبية منخفضة وتحت ضوء شحيح اعتاد النازح "حمود الكروم" على الجلوس لساعات يومياً لتدوين يوميات الثورة السورية بكل تفاصيلها وأحداثها وآمالها وآلامها منذ أكثر من 9 سنوات بخط يده، حتى تجمع لديه أكثر من 70 ألف صفحة حفلت بملايين الوقائع والأحداث والمحطات المفصلية التي شهدتها ولا تزال أعظم ثورة عرفها التاريخ.
وأشار "الكروم" لـ"زمان الوصل" إلى أن مشروعه الضخم هذا تضمن أسباب قيام الثورة السورية، وبدأ بالأحداث اليومية للثورة السورية وأسماء الجُمعْ وأعداد الشهداء في كل جمعة وأنواع الشعارات التي رفعت فيهاـ وكانت متغيرة مع كل جمعة جديدة، وترافقت مع العنف الذي تمارسه قوات النظام المجرم وكان هدفه من هذا التوثيق، حسب قوله، أن يصل للأجيال القادمة تاريخ ناصع ومشرق ومشرّف للثورة السورية يليق بمكانتها بين الثورات في العالم.
مع بداية انتشار جيش الأسد في المدن والبلدات السورية بدأ "الكروم" برصد هذه التحركات كاحتلال القرى والبلدات والمدن والفظائع والجرائم التي ارتكبها هذا الجيش بحق المدنيين العزل، وكيف قصفت دباباته السكان الآمنين وأحرق جنوده البرابرة الأشجار ودمروا البيوت بعد تعفيشها وقتل وتهجير أهلها.
ولفت "الكروم" إلى أن توثيقه الورقي تضمن مسحاً لكافة الأحداث التي مرت بها الثورة السورية وكل شاردة وواردة فيها بما فيها الأحداث السياسية وكل المؤتمرات التي عُقدت من أجل الثورة السورية وباسمها، ابتداءً من مؤتمر "انطاليا" حتى آخر اجتماع بتاريخ 15 أيلول- سبتمبر/2020 الذي جمع الوفد التقني الروسي مع نظيره التركي، مروراً بمؤتمرات جنيف وفيينا والرياض 1 والرياض 2 والقاهرة 1 و2 ومنتدى موسكو 1 و2 و3 ومؤتمرات أستانة وسوتشي وما نتج عن هذه المؤتمرات الفارغة، بالإضافة إلى اجتماعات مجلس الأمن قاطبة خلال أكثر من 9 سنوات على قيام الثورة السورية والقرارات المتصلة بها، وتصريحات رؤساء الدول والمسؤولين بخصوص الشأن السوري ومواقف الدول العربية والغربية قاطبة.
وتضمن التوثيق -كما يقول- معاناة المدنيين والنزوح والتهجير القسريين، مشيراً إلى أنه نزح شخصياً 6 مرات ولم يتمكن من حمل أثاث منزله من شدة القصف على بلدته "معرة شمشة"، ولكنه غامر واستطاع أن يحمل ما وثقته يده من أحداث الثورة السورية، حيث تمكن حتى الآن من تدوين 70 ألف صفحة.
ولم يقتصر توثيق "الكروم" على الداخل السوري بل تضمن الهجرة إلى أوروبا ومعاناة اللاجئين السوريين في اليونان وعلى الحدود التي تفصل دول الاتحاد الأوروبي عن سوريا، وتم توثيق عدد المتوفين على حدود اليونان، سواء قتلاً أو غرقاً والانتهاكات ضد الإنسانية التي يقوم بها البوليس والكوموندوس الأوروبي بحق الفارين من جحيم الحرب السورية.
وكشف "الكروم" أن مصادر توثيقه متنوعة فإذا كان بإمكانه الوصول إلى مكان الحدث ليراه بالعين المجردة كان يذهب بسيارته الخاصة في مختلف أنحاء المناطق المحررة، حيث وثق معظم مجازر إدلب بشكل عياني، أما الأماكن التي لا يستطيع الذهاب إليها فيأخذ معلوماتها من أشخاص ثقاة بالتواصل المباشر معهم في مكان الحدث وعند عجزه عن الوصول إلى هذه المعلومة أو تلك يلجأ إلى وسائل الإعلام ويعمد لإجراء تقاطع معلومات بين هذه الوسائل الثورية والعالمية المحايدة، مؤكداً حرصه على الحيادية وعدم الانحياز إلى أي طرف على حساب طرف آخر رغم أنه ثوري ويعتز بثوريته.
ويعمل "الكروم" في التوثيق بمعدل 4-6 ساعات بشكل يومي وهناك –كما يقول – العديد من العوائق والعراقيل التي تعترض مشروعه الفردي ومنها الانقطاع المستمر للكهرباء إذ تفتقر المناطق المحررة الخارجة عن سيطرة النظام إلى التيار الكهرباء منذ العام 2012، فيضطر لاستخدام لمبة صغيرة يقوم بوصلها ببطارية سيارته.
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية