قام السوريون بثورة على نظامهم قبل نحو عشر سنوات، فاكتشفوا لأجل إسقاط بشار الأسد، بأن عليهم قبل ذلك، حل مشكلات العالم كلها، بدءا من الخلاف التجاري بين أمريكا والصين، وانتهاء بمشكلة حلايب وشلاتين بين مصر والسودان، وما بينهما من أحداث ومشاكل تعصف بالمنطقة منذ عشرات السنين، وبعضها يعود إلى القرن الأول الهجري، إلى قصة الخلاف بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، وأيهما أحق بالخلافة من الآخ.
لقد اكتشف السوريون بأنه عليهم أن ينتظروا حل المشكلة القبرصية المتنازع عليها مع تركيا منذ سبعينيات القرن الماضي، وأن يقنعوا أوروبا بقبول عضوية هذه الأخيرة في اتحادهم، مع تسوية جميع خلافاتها مع اليونان وأرمينيا، والاعتراف بحقها في التنقيب عن الغاز في البحر المتوس.
واكتشفوا كذلك، أن على الأوروبيين أن يستمروا بالنظر إلى روسيا على أنها وريثة الاتحاد السوفيتي، الذي كان يسعى للسيطرة على بلدانهم ويهددها بالقصف والاجتياح بين الفترة والأخرى، وبالتالي إقناعهم بأن وجود الروس في سوريا ليس إلا محاولة جديدة للالتفاف والتضييق عليهم عبر التحكم بإمدادات الغاز المنتظرة عبر البحر المتوسط.
واكتشفوا فجأة، بأنهم مسؤولون عن جميع العمليات الإرهابية التي تجري حول العالم باسم الإسلام، وبأنهم كي يسقطوا نظامهم، عليهم أولا، أن يغيروا من الخطاب الديني لجميع الحركات الجهادية الراديكالية، ولا بأس من إقناعها بالتحول إلى المسيحية.
وأما على الصعيد العربي، فقد وجدوا بأن قرار ثلاث دول عربية بعقد صلح مع إسرائيل غير كاف، وأنه لا بد أن يصل العدد إلى عشرين دولة على الأقل، حتى يفكر الغرب بمناصرة ثورتهم ويتقبل فكرة رحيل نظامهم.
وعدا ذلك، فقد اكتشفوا بأن عليهم أن يقاتلوا في ليبيا وأذربيجان وأرمينيا واليمن، وأن يبدو جاهزيتهم للقتال في أي منطقة ساخنة في العالم، وإيجاد حل للمشكلات المستعصية فيها، قبل أن يصل الحل إلى بلدهم.
ومما اكتشفوه أيضا، أنه يجب إسقاط نظام الملالي في إيران، واستبداله بنظام آخر غير طائفي، يهتم بمشاكل بلاده الداخلية، ويتوقف عن دعم التنظيمات الشيعية في المنطقة، وعلى رأسها حزب الله في لبنان، وأنصار الله في اليمن. وعليهم كذلك أن يتابعوا أخبار الانتخابات الأمريكية، وخطابات المرشحين وموقفهم من الأزمة في سوريا، وأيهما يمكن أن يناصر ثورتهم أكثر من الأخر، ومن ثم أن يكون الرئيس الجديد، قادرا على إقناع إدارته بضرورة التخلص من النظام الإيراني، ومن خلفه النظام السوري وجميع التنظيمات الطائفية المرتبطة بهما.
وكل الشروط السابقة "بكوم" وشروط الوضع السوري، بشقيه المعارض والموالي، "بكوم" أخر، كما يقولون ..إذ أنه يجب إقناع السوريين الموالين، بأن هذا النظام لم يقتل أولادهم ويفقرهم فحسب، وإنما قتل الأمل بعودة سوريا إلى سابق عهدها، من خلال التفريط بجميع ثرواتها ومقدراتها الطبيعية، مقابل البقاء على كرسي الحكم.. وبالتالي لا يمكن لسوريا أن تستعيد وضعها الطبيعي إلا بثورة جميع أهلها على نظامهم وتكاتفهم من بعضهم البعض، إلا أنه من أصعب الشروط التي قد تتحقق، لأن من هم في الداخل لا يمكن النظر إليهم اليوم على أنهم موالون، وإنما خائفون وجائعون.. وهذا النوع من البشر لا يمكن أن تقوم له ثورة، بينما سوف يستمر النظام في تخويفهم وتجويعهم.
وأما على الصعيد المعارض، فالأمر يتطلب مقالا لوحده، نتحدث فيه عن صعوبة إقناع أنس العبدة ونصر الحريري، بأن ما قاما به من تبادل للمناصب خلال الفترة السابقة، هو فعل لا يتصرفه حتى "القرباط"، وأن ذلك كان من أسباب قرف السوريين من كل شيء اسمه ثورة ومعارضة.. وهو أيضا من الشروط المستحيل تحقيقها، لأن "الشباب" لن يتخلوا عن المسؤوليات الملقاة على عاتقهم، مهما كلفهم الأمر .. وخصوصا إذا ما تعلق الأمر بحث الثورة وعشقها.
أخيرا، لا نبالغ إذا قلنا، بأن السوريين باتوا مقتنعين، بأنه إذا تعثرت شاة في بلاد "الهونولولو"، فإن ذلك من أسباب تأخر نصرهم على نظامهم.. و كلما طال أمد الأزمة السورية، كلما زادت شروط النصر تعقيدا.. فما أصعب إسقاط هذا النظام!
*فؤاد عبد العزيز - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية