هل سيقبل المواطن الأوروبي التخلي عن هامش حريته التي دفع ثمنها غالياً في سبيل مكافحة الإرهاب؟
إذا كان هناك مجال واحد يتضح فيه التوتر بين الأمن والحريات بشكل خاص، فهو مجال مكافحة الإرهاب، حيث تتعرض هاتان القيمتان للخطر بشكل خاص. عند ظهور مفهوم الأمن، يدعو بالضرورة إلى إجراءات وقائية تعادل التهديد الإرهابي، وهنا لن تكون الإجراءات الأمنية العادية كافية وأن الحاجة إلى مكافحة الإرهاب قد تتطلب اللجوء إلى وسائل استثنائية، في دول لم تشهد منذ نهاية الحرب العالمية الثانية أي أحداث أمنية ضعضعت الأمن الداخلي للبلاد الخارجة من الحرب مثل هذه الفترة وتحديداً منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2011، هذا ما سيستوجب أن تفرض الدول قيودا كبيرة على الحقوق والحريات الفردية المكفولة بطريقة أخرى في أي مجتمع ديمقراطي يتمتع بديمقراطية حقيقية.
وهكذا، وعلى مر السنين والهجمات الإرهابية المتتابعة، أدى إلى تطور القانون مع تطور التهديد الإرهابي، تم وضع جهاز إجرائي ينتقص من قواعد القانون العام.
بدت الهجمات التي وقعت في نيويورك في 11 سبتمبر 2001، وتلك التي وقعت في مدريد في 11 مارس 2004، وتلك التي وقعت في لندن في 7 يوليو 2005 ، العديد من الفرص للتأكيد على الأبعاد الجديدة التي اتخذها التهديد الإرهابي، هذه الفكرة أن المجتمعات الديمقراطية ربما ليس لديها خيار آخر سوى أن تكون أقل ديمقراطية من أجل محاربة تهديد جديد كلياً على مجتمعاتها.
أثارت الأحداث الإرهابية مخاوف الدول والمجتمع معاً، ومعها ازداد تطرف الخطاب الذي يضفي الشرعية على زيادة الممارسات الأمنية القائمة بالفعل ويبرر ممارسات جديدة أكثر شدة، كل ذلك أدى إلى تعزيز واضح لصلاحيات السلطات في ظل السلطة التنفيذية وإعطاء صلاحيات أكبر لممارسات المخابرات والشرطة الإدارية والشرطة القضائية.
اليوم وبمجرد ارتكاب جريمة إرهابية، تتولى الشرطة القضائية المسؤولية، والتدخلات المتتالية بمرور الوقت ليست واضحة تمامًا وتتداخل بشكل عام لأنه من ناحية يتم فرض بعض التهم بعبارات واسعة بما يكفي لاستدعاء الشرطة القضائية للتدخل بسرعة، ومن ناحية أخرى، تتطلب مكافحة الإرهاب وتفكيك الشبكات عملاً طويل الأمد يجمع بين الاستخبارات والممارسة القضائية.
إن خطر التحول في العمل من المرحلة القضائية إلى مرحلة الشرطة أمر مؤثر على الحريات للغاية لأن قوات الشرطة وبسبب الصلاحيات المعترف بها لها، ستكون قادرة على القيام بكثير من الإجراءات في مرحلة التحقيق، الأمر الذي لم يكن مسموحاً من قبل.
المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، والتي تنص سوابقها القضائية على أن التدابير المتخذة لمكافحة الإرهاب يُنظر إليها عمومًا على أنها العديد من القيود الضرورية في مجتمع ديمقراطي، مما يبرر منح هامش تقدير وطني أكبر للدول.
لكن الاعتراف بأن مكافحة الإرهاب تتطلب استجابة محددة تمكن المجلس الدستوري والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان على وجه التحديد من ممارسة الرقابة على التدابير المتخذة والحد من تجاوزاتها الرئيسية.
تشير الممارسات غير المرئية إلى جميع تقنيات المراقبة التي تتكاثر وتتحسن، سواء لمنع ارتكاب أعمال إرهابية أو لجمع الأدلة أثناء التحقيق الآني أو التحقيق اللاحق، ومع ذلك، ينبغي الإشارة إلى أن هذه الممارسات تتجاوز الإطار الوحيد لمكافحة الإرهاب وتتعلق بشكل عام بمجال مكافحة الجريمة المنظمة.
منذ صدور قانون 23 يناير 2006 بشأن مكافحة الإرهاب، بات من الممكن إنشاء معالجة آلية للبيانات الشخصية المتعلقة بركاب النقل الجوي والبحري والسكك الحديدية، مع الأخذ في الاعتبار أن شركات النقل مطالبة بإبلاغ البيانات المتعلقة بالركاب.
المادة 7 من قانون 23/1/2006 الخاص بمكافحة الجريمة المنظمة وعلى نفس المنوال ، تم تعديل المادة 26 من قانون 18 مارس 2003 الخاص بالأمن الداخلي للسماح للشرطة الوطنية والدرك وخدمات الجمارك بتنفيذ الأجهزة الثابتة والمتحركة والتحكم الآلي في البيانات الوصفية للمركبات التي تلتقط صوراً لركابها، في جميع النقاط المناسبة في الإقاليم، وقد تكون هذه البيانات موضوع معالجة آلية يمكن مقارنتها بالمعالجة الآلية للبيانات المتعلقة بالمركبات المسروقة أو المبلغ عنها وكذلك بنظام معلومات شنغن.
ناهيك عن مراقبة طرق السفر الداخلية والخارجية فإن القانون ذاته سمح للحكومات بالتحكم في كل من الاتصالات الهاتفية والإلكترونية أيضًا للمتهم
أثناء فترة التحقيق.
الأمر الذي قد يكون مرتبطًا بتقنيات تثبيت الصوت والصورة الممكنة في أماكن ومركبات معينة خلال تحقيق منصوص عليه في قانون الصادر في 9 مارس2006.
إضافة إلى تضمين القانون بمواد تبيح مراقبة الأفراد المشتبه في انتمائهم لشبكات إرهابية وإمكانية اعتراض اتصالاتهم سراً، والتنصت الإداري على الهاتف، والمعروف باسم "الاعتراضات الأمنية"، وهذا من شأنه أن يبيح التدخل غير المسبوق في هذه المجتمع للشرطة بالحياة الخاصة للأفراد لمجرد الاشتباه.
اليوم وبعد الأحداث الأخيرة في بارس، تنبئ الأجواء العامة بأن هناك المزيد من القوانين الجديدة المتشددة التي ستطال الحريات العامة، ازدياد مراقبة التمويل الخارجي للجمعيات الخيرية المرخصة في فرنسا.
هذه الإجراءات تستهدف السيطرة على المساجد، وتمويلها، ومراقبة أئمة الجوامع المسقدمين بعقود عمل نظامية للعمل كأئمة في المساجد وتحديداً من دول المغرب العربي، قد تكون مثل هذه الإجراءات مقبولة من أجل مراقبة الخطاب الديني الموجه للجالية المسلمة في الأراضي الفرنسية، لكن المقلق أن تطال إجراءات الرقابة والمراقبة الجميع، ويبقى الخوف الأكبر أن تصبح إجراءات قبول اللجوء، ودراسة طلبات اللاجئين أكثر صعوبة وتشدداً، خاصة بما يخص السوريين الذين ما يزال الكثير منهم ينتظر فرصة له ليخرج من جحيم الحرب والأوضاع الاقتصادية المتردية باحثاً عن بلد آمن يعطيه فرصة جديدة للحياة... بالفعل (المتشددون يأكون الحصرم والأبرياء يضرسون).
*مزن مرشد - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية