فقدت مدينة حمص أحد أركانها الثقافية طوال العقود الماضية وهو الدكتور والمحقق اللغوي والتراثي "عبد الإله نبهان" متأثراً بإصابته بفيروس "كورونا" بعد أن خضع لعلاج مكثف لم ينفع بسبب وجود مشكلات صحية لديه.
وبرحيله الأحد الماضي فقدت اللغة العربية أحد علمائها الأعلام، وفقدت الحياة الأكاديمية في سوريا أستاذاً من النوع النادر إخلاصا وعلماً، وفق مقربين منه. ونعى مجمع اللغة العربية بدمشق الدكتور الراحل "لما قدمه لأمته من علوم متعددة مما يجعل من فقدانه خسارة كبيرة على مختلف الصعد وطنياً وقومياً وإنسانياً".
وولد "نبهان" في في حيّ "جورة الشياح" بحمص عام 1945 في أسرة متوسطة الحال، تعمل بتجارة الأخشاب، يسودها جوّ علمي، وتمتلك مكتبة غنيّة بمقاييس ذلك الزمان -كما روى الدكتور الراحل لكاتب هذه السطور قبل سنوات- مضيفاً أن مكتبة والده كانت تشتمل على كتب أدبية ولغوية وفقهية وتاريخية وما يتصل بها، إضافة إلى مجلدات كثيرة لبعض المجلات التي كانت تصدر في مصر أواخر القرن التاسع عشر والثلث الأول من القرن العشرين.
وقرأ كثيراً في هذه المجلدات من مجلة "المقتطف " و"المنار" وغيرها إضافة إلى ما كان حريصاً على اقتنائه من المجلات المعاصرة كالعربي والمعرفة.
ودرس الباحث الراحل في مدارس حمص ونال الثانوية من مدرسة "الشهيد عبد الحميد الزهراوي" عام 1964، وتلقى تعليمه على خيرة أساتذة حمص آنذاك منهم على سبيل المثال "عبد العليم صافي" والأستاذ اللغوي والشاعر "رفيق فاخوري" وبعد الثانوية درس اللغة العربية بجامعة دمشق تحت إشراف أساتذة كبار يتمتعون بسمعة علمية، منهم أستاذه "سعيد الأفغاني" و"أحمد راتب النفاخ" و" د . شكري فيصل " و"د . عبد الكريم الأشتر " و"د إحسان النص" و"د . مازن المبارك"، ثم بعدئذٍ في الدراسات العليا "د . شاكر الفحام " و"ربحي كمال"، كما حظي مع زملائه الطلبة في الدراسات العليا بتدريس الدكتور المصري "عبد الصبور شاهين" و"د.عبد الرحمن حاج صالح" و"د.إحسان عباس"، واستفاد من أعلام المعرفة والعلم هؤلاء الكثير وتأثر بهم وتطورت علاقته بهم فيما بعد إلى صلة ودّ وصداقة وأخوة.
وأشار نبهان في الحوار المومى إليه إلى أنه أفاد كثيراً من أصدقاء جده الذين كانوا يلازمونه وخصوصاً من الشاعر الراحل "خالد الزهراوي"، كما استفاد فيما بعد من مجالسة أساتذة كبار كالدكتور "طيب تيزيني" والدكتور"شاكر الفحام" رئيس مجمع اللغة العربية بدمشق والدكتور"أحمد راتب النفاخ" وغيرهم كثيرون.
ولم يتمكن نبهان بعد تخرجه من جامعة دمشق من متابعة الدراسات العليا نظراً لعدم وجود دراسات عليا أصلاً في سوريا، وحالت الأنظمة النافذة آنذاك دون ذهابه لمتابعة الدراسة في مصر، فالتحق بالتربية أولاً ثم بالجيش، وبعد حرب تشرين 1973 افتُتحت في جامعة دمشق الدراسات العليا اللغوية، فأُتيح له أن يكمل دراسته حتى نهايتها في جامعة دمشق.
ووضع د. نبهان العديد من المؤلفات ومنها: "ابن يعيش النحوي" "بحوث في اللغة والنحو والبلاغة" "الفهارس الشاملة للأشباه والنظائر في النحو" "الأشباه والنظائر في النحو للسيوطي" (تحقيق) ج1، "اللباب في علل البناء والإعراب (تحقيق)" "الآثار الكاملة للشهيد عبد الحميد الزهراوي" "الآثار الكاملة للشهيد رفيق رزق سلوم" "الملاحن لابن دريد" (تحقيق)، "علم التعمية واستخراج المعمى عند العرب" وغيرها.
كما نشر العشرات من البحوث والدراسات اللغوية والتراثية في العديد من المجلات العلمية المحكمة داخل وخارج سوريا، وأشرف وناقش الكثير من الرسائل العلمية في مختلف الجامعات السورية والعربية.
وكان "نبهان" قد نال شهادة الليسانس في اللغة العربية وآدابها من جامعة دمشق عام 1968. ودبلوم الدراسات اللغوية العليا - جامعة دمشق 1976والماجستير في اللغة العربية بدرجة ممتاز من جامعة دمشق عام 1980. وشهادة الدكتوراه في اللغة العربية وآدابها بمرتبة الشرف من الجامعة ذاتها عام 1990.
وعمل أستاذاً مساعداً في قسم اللغة العربية بجامعة حمص 1996، ومدرساً زائراً بجامعة قطر 1996وأستاذاً مساعداً معاراً في جامعة العين بالإمارات العربية المتحدة 1998-2002، ومن ثم أصبح وكيلاً لكلية الآداب للشؤون العلمية في جامعة حمص وتم قبوله عضواً في مجمع اللغة العربية بدمشق عام 2009 ليصبح من أنشط أعضائه بحثاً ودراسة وتحقيقاً.
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية