أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

القتل بسلاح المساواة!... أحمد عمر*

الحرية والمساواة والإخاء.. ما أحلى شعارات الثورة الفرنسية وأملحها، وهي، بالترتيب حسب عدم الظهور، كما وردت أعلاه، وهو الشعار الوطني لكل من فرنسا وهاييتي وشعوب أخرى، لكن الشعارات ساطعة وخادعة عادة، خاصة في ميدان السياسة التي يغلب عليها سوء الظنَّ، ويعود أصل الشعار إلى زمن الثورة الفرنسية، ولم يزهر حتى القرن التاسع عشر.

وهو أيضًا شعار منظمتي جراند أورين دي فرانس، وجراند لودج دي فرانس. وتعرِّف موسوعاتهم السياسية الحرية بأنها: إمكانية فعل لا يؤذي الآخرين، فإما أن الغربيين لا يدركون ما يؤذي المسلمين، وإما أنهم يدركون ويقصدون، عندما يؤذونهم أشد الأذى بالسخرية من مقدساتهم برسوم كارتون يجعلونها اقدس من مقدساتنا.

إنها شعارات تتآكل بين مخالب الإنسان، بل إنها لم تجد يوماً طريقها إلى التحقق حتى في "بلد الأنوار" بجماجم ثوار الحرية، بل إن البيض أنفسهم باتوا يتظاهرون ضد الظلم، خذ مثال ذوي السترات الصفراء، وأمس بثت "الجزيرة" فيلماً وثائقياً اسمه "مسلمو فرنسا" يشيب من هوله الولدان وتبيض منه سود الغربان، إن هم إلا يأفكون.

تاريخ فرنسا الجمهوري أسود من تاريخها الملكي، ويمكن أن نذكر على سبيل المثال تاريخها الجمهوري في الجزائر، وهو مثال قريب، وقد بلغ عدد ضحاياها اثني عشر مليوناً، منعاً لهم من أول ثمرة من ثمار الشعار المذكور!

المساواة لها اسم سوري مقتبس من الخطاب السياسي، هو التجانس، وهو أشد وأنكى، وكان البعث قد اختار شعاراً مثل شعارات الثورة الفرنسية هو: وحدة حرية اشتراكية، فازداد السوريون تفرقاً وعبودية و رهقا. 

والمساواة شعار طنّان، وليس كل ما يلمع ذهباً، وبعض الحبال ثعابين سامة، حتى أنه يمكن أن يزعم زاعم أنَّ القاتل قابيل كان يحبُّ المساواة، وكان ينكر على أخيه قتل الحيوانات، ويريد أن يساويه بنفسه، فيقدّم مثله زرعاً لربه.

وقد انتقل شعار المساواة إلى تسوية الذكورة بالأنوثة تسوية تامة، حتى ظهر الجنس الثالث الذي يعامَل كسوبرمان.

ولا يكفُّ أتباع الغرب عن الإلحاح على شعار المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث الإسلامي، ظناً منه أنه ينصفها، وهم حالياً يريدون تسوية الأديان وجعلها ديناً واحداً هو الأخلاق العامة، التي تنحصر في الوقوف في طابور القطار، أو في قول عفواً عند الاصطدام بين اثنين، والجنس برضى الطرفين، وإن لم يكن هذا ظلماً للحرية، فهو قتل للتنوع الفكري والديني والإنساني والحضاري.

ويطالب حكّام أوروبا المهاجرين والنازحين بالدمج. وتقرُّ تقارير صحافية بتهميش المسلمين في "خالتي فرنسا"، التي توالي حفتر، والسيسي، والأسد أيضاً، كما أعلن مؤخراً، ويقولون إن وضع العرب المهاجرين أفضل في أمريكا، وهو نوع من التسوية.

ويتضايقون أو أحياناً يشمئزّون من التقاليد الوافدة، مثل الطعام الحلال أو الثياب الإسلامية النسائية، أو حتى الرجالية السابغة، كما قال وزير الداخلية الفرنسية، وقد سنّت دول أوروبية قوانين ضد التمييز، لكنها نزعة بشرية تضمر ثم ما تلبث أن تثمر شوكها منذ قابيل وهابيل.

هناك أقوال ظالمة: مثل من ساواك بنفسه ما ظلم، وهو ظلم في المكان أو في الزمان غير المناسبين.

حتى أن اسم عملية السلام العربية الإسرائيلية الجراحية هو "التسوية"، وعمر العملية بلغ أربعين سنة تحت المشارط الجراحية وعدسات الأخبار.
وقال تعالى في محكم التنزيل: "فَسَوَّاهَا * وَلاَ يَخَافُ عقباها".

أمس رأينا الحرية في احتقار أديان المستجلبين من المستعمرات الفرنسية، وهم ليسوا بنازحين، والنازح مستجلَب أيضاً، وإن كان قد جاء بنفسه.
وقد علا شأن أولئك الذين يجرون عملية تسوية للجنس، فيغيرون جنسهم حسب الرغبة، وقد ظهرت مضاعفات للتسوية الجنسية، هي منظمات النسوية المتعصبة أو المتمركزة حول الأنثى.

وهنَّ نسوة يعشن في جزر فكرية أو جنسية، رأيناهن يتظاهرن عراة ضد محمد مرسي، وسكتن عن السيسي مع أنه لم ير أذكر في التاريخ المصري من غير فياغرا.

المساواة ليست العدل، وأحياناً تحارب التنوع الإنساني، وكان الانسان الأبيض الذي استعمر القارة الأمريكية قد أهلك الثور الأمريكي، وأباد الهندي الأحمر حباً في ممارسة رياضة الحرية من غير إخاء ومساواة، وقد ظهرت أورام ومضاعفات لهذه التسوية، هي حبّ الأوروبي الشديد للحيوان، وعطفه عليه حتى إنه صارت حيوانات مثل الباندا مقدسة.

وقد أمست البقرة الضاحكة الفرنسية مقدسة لدى بعض العربان نكاية بالإخوان، الذين يُتّهمون من قبل المتاجرين بالكفر، بالتجارة بالدين، ولا تجيز عقيدة المسلمين المساواة في السخرية من عقائد الخصوم.

عزيزي القارئ لكل شيء وجهان، كان قاطع الطريق اليوناني يقطّع ضحاياه لتناسب مقاس التابوت، وكان يقطع الضحايا بعد الموت لله دره، حتى يسوي الضحية بالتابوت. وتلك لعمري تسوية أيضا.

*من كتاب "زمان الوصل"
(243)    هل أعجبتك المقالة (222)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي