أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

أكرم رسلان: الرسمُ بالجرأة والدم

رسلان - أرشيف

عندما كان في الرابعة عشرة من عمره، طلب المعلمُ من تلاميذ الصف رسمَ منظرٍ يمثلُ طبيعةً صامتة، فرسم زملاؤه، طاولة تعلوها مزهرية، أو طبق فاكهة، أو سيارة متوقفة، بينما رسم هو جموعاً غفيرة، وكتب أعلى اللوحة (طبيعة صامتة).

بهذه الجرأة، وهذا الاختزال، وهذا العمق الفكري الباهر بدأ حياته الفنية منذ أن تفتح وعيه على القلم والورقة حتى صار أحد أهم رسامي الكاريكاتير السوريين المناصرين للثورة السورية الأهم والأشهر.

لوحة رسمها انتقدت بشار الأسد وسخرت منه كانت سبب مقتله على يد المخابرات السورية، فسميَ (ناجي العلي السوري)، أما أنا ومع حفظ الاحترام لذكرى الشهيد "ناجي العلي" الفلسطيني، فأحيلهُ إلى ذاته وشجاعته وأعماله وأُسميه أكرم رسلان.

ولد أكرم رسلان عام 1974 في مدينة "صوران" التابعة لمحافظة حماة التي يعبرها النهر العاصي الذي أخذ منه أهلها خصال قوة الإرادة والمواجهة والتمرد، فغدا العاصي أشبه بسيرة مدينة، يدون في سجله المائي الذي لا ينضب أفراح وآلام المدينة منذ فجر الماء وحتى منتهى الغمر.

حصل أكرم على إجازة في الآداب العامة قسم المكتبات من جامعة دمشق عام 1996، ليعمل بعدها كرسام كاريكاتير في عدد من الصحف والمواقع السورية والعربية، ومنها صحف "الجريدة، الثورة والفداء" في سوريا، وموقع "الجزيرة نت".

*خط ّ الدم وخطوط الرسم:
مع بداية خط الدم الذي ابتدأ َمن درعا في ربيع عام 2011 إثر قتل قوات النظام للمتظاهرين السلميين، شرعت ريشة الفنان أكرم رسلان برسم الخطوط الأولى للرفض على الورق، فانحاز منذ يوم الثورة الأول لصوت الشعب الهادر بشعارات الحرية والكرامة، كان يغمس ريشته بدماء الشهداء ويرسم من عمق المعاناة، وحملت لوحاته منذ البداية نبرة عالية من الحرية والكرامة والمواجهة. ففي الوقت الذي كان فيه معلّم خارجية النظام السوري ينكر الأزمة السورية، ويشطب دولاً عن خارطة العالم، ويثبّت أخرى مستعمِرة على خارطة سوريا، كان أكرم رسلان برؤيته الثاقبة وشجاعته العالية، ينهي لوحته التي جاءت تحت (عنوان نهاية الأزمة)، ويتبع الرسمة بتعليق داخلي يقول: الفصل الأخير من حكم آل الأسد، حيث يظهر بشار غارقاً بأكمله في الدم ماعدا جزءا بسيطاً من أعلى رأسه في إشارة إلى أن حاكما يتورط بدم شعبه حكمه زائل وإن طال الزمن.

رسم رسلان زهاء 300 لوحة كاريكاتيرية، تعبر عن أهداف الثورة، وتفضح ممارسات النظام القمعية بحق السوريين،وكان يوقعها باسمه الصريح مع أنه كان مقيماً في سوريا التي لم يغادرها.

*جرأة بلاسقف:
أجمع النقاد والمتابعون على جرأته في طرح القضايا، وشجاعته النادرة في النقد، وامتازت لوحاته بمباشرة كبيرة في انتقاد النظام السوري ورأسه في بلد يُعتبر فيه رأس النظام ربّا لا يطاله النقد ويُجبر موالوه المتظاهرينَ على السجود لصورته.

ولعل لوحته التي يظهر فيها رأس النظام بشار الأسد حاملا لافتة كتب عليها (الأسد أونحرق البلد) وكان شعار المرحلة آنذاك -حيث النيران تحيط ببشار من كل الجهات حتى التهمت الجزء السفلي من جسده- هي التي حددت مصيره.

*مصير مأساوي:
إن نظاما قمعيا كسر أصابع الفنان السوري العالمي علي فرزات، واقتلع حنجرة بلبل الثورة إبراهيم القاشوش، واغتال مشعل تمّو وباسل شحادة، لن يتوانى عن التنكيل بأكرم رسلان التي ترسخت رسوماته في الضمير الجمعي للسوريين الأحرار.

في تاريخ 2/10/2012 اقتحمت عناصر الأمن العسكري في حماه مبنى جريدة "الفداء"، واعتقلت أكرم وهو على رأس عمله، وأُحيل بعدها إلى فرع التحقيق العسكري في دمشق، لتنقطع أخباره هناك.

أثار خبر اعتقاله سخطاً عارما ًفي الشارع الثوري، وأحدث ضجة واسعة وتعاطفا ًكبيراً في الأوساط الإعلامية العالمية، وتم وضع مصيره ضمن الاهتمامات الملحة للشبكة الدولية لحقوق رسامي الكاريكاتير في العالم (كرني)، ومنحته الشبكة جائزتها السنوية لعام 2013 لشجاعته الاستثنائية في مواجهة قوى العنف بالرسوم التي قال فيها الحقيقة، كما طالبت العديد من المنظمات الحقوقية السورية والعربية والعالمية بالكشف عن مصيره، ولكن دون جدوى إلى أن تأكد عام 2015 خبر مقتله تحت التعذيب في سجون النظام بعد أشهر قليلة من اعتقاله.

لقد أرادها الفنان أكرم رسلان مع النظام منازلةً فنية ًبالورقة والقلم، لكن نظام الأسد الذي لا يتقن من الفنون سوى الحرب والتعذيب والتغييب القسري في ظلام الزنازين أو القبور، أرادها مواجهة ًبالحديد والنار. ستعود الدبابات يوماً إلى ثكناتها، وتزول من شوارع الوطن هي والطغاة، لكن أكرم رسلان الذي عاش فنانا وإنساناً حرّا، وقضى شهيد الحرية والحقيقة، ستبقى ذكراه ولوحاته حية في ضمائر السوريين الأحرار، وسيبقى مثالاً نبيلا، ورمزا كبيرا من رموز الثورة السورية تحتذي به الأجيال القادمة من الفنانين وغيرهم.

سليمان النحيلي - زمان الوصل
(322)    هل أعجبتك المقالة (316)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي