قد يوسوس الشيطان اللئيم، لضعاف النفوس وعبّاد الفلوس، وهزيلي الشعور القومي، وواهني العصب الوطني، أنَّ الدولة السورية الموّقرة التي بناها السيد الرئيس بكِّده وعرقه منذ فجر الحركة التصحيحية، وجعلها قمة من القمم، يشار إليها بالبنان بين الدول والأمم، طمّاعة تحبُّ الجباية على الهداية، ويقول قائلون إنه لم يحدث أن عاملت مواطنيها هذه المعاملة، بتركهم عالقين مثل أهل الأعراف في البرزخ على الحدود، تحت طعن القنا وخفق البنود، غير قادرين على العودة إلى جحيم الغربة ولا الدخول إلى الجنة العذبة.
ويزعمون أنّ هذا لم يقع في دولة على الأرض لا في السلم ولا في الحرب، وهذا صحيح، وأنها مخالَفة للدستور، وهذا صحيح، لأنهم جهلة لا يرون ما وراء السور، ولا يقرؤون ما تحت السطور، ولا يعرفون أن هناك موادّ فوق الدستور، مثل مادة حضن الوطن، غير المكتوبة، التي عرفناها في أحاديث التلفزيون وشعارات الطرق والأناشيد.
- لا يدرك هؤلاء المرضى وعلى سفر، الدلالة العميقة للمثل القائل: "إنَّ الدخول إلى الحمام ليس كالخروج منه، وإنَّ الخروج منه ليس كالدخول إليه أيضاً"، ولا يعرفون منه الدروس والعبر، ولا يميزون المبتدأ عن الخبر، فهي كفارة العودة إلى الوطن العظيم، وتزكية للنفوس التي تلوثت بالتغرب السقيم.
- يقارن بعض هؤلاء الفاسدين والضالين بين حالهم وحال إسرائيل التي تستجلب اليهود من كل بقاع الأرض إلى أرض اللبن والحليب والبرتقال والنابلسية والفلافل، من غير درهم ولا دينار، بل إن إسرائيل تدفع أجور السفر، فيقدم قوم موسى معززين مكرّمين، لا فاتنين ولا مفتونين، بل إن بعضهم ليسوا من قوم موسى ولا عيسى، وهم يهود من جهة تقدير يوم السبت، كما في طائفة هنادكة الهند الذين لا تربطهم باليهود سوى تعظيم يوم الحوت، وتمنح هؤلاء العيال المجهولين بيوتاً مجهّزة بكل شيء، وجواز سفر ليس كمثله في العالم، وتدافع عن واحدهم إذا ساحوا في الأرض كما لو أنه قدس من الأقداس، فليدرك هؤلاء أنّ سوريا الأسد لا تفعل ذلك إلا لأنها تعارض إسرائيل، وتفعل عكس ما تفعل، إن إسرائيل ما تفعل ذلك إلا لأنها تدرك بأنها زائلة، فما هو رخيص يذهب رخيصاً وما هو ثمين يظل ثميناً.
وأن سوريا الصامدة المقاومة تريد أن تبرهن بالمئة دولار تقدميتها واشتراكيتها وعلمانيتها، لأن إسرائيل دولة دينية يهودية.
- عندما تفرض سوريا زكاة المئة دولار، لا تفعل ذلك إلا لأنها تعادي الامبريالية، فلم تفرض هذه المكس والركس والنكس على النازحين إلا لأنها تريد أن تذلَّ مؤسس أمريكا الشرير السيد جورج واشنطن، وتحبسه في صندوق، وتبغي أن ترّبي الذين هاجروا أو نزحوا بتلقينهم درساً، لتخليهم عن أرض سوريا المقدّسة إلى دول مجاورة أو غير مجاورة، فلكل جناية ضريبة وكفارة.
وإن رسم الحج إلى سوريا أقل من رسوم العمرة والحج إلى الأرض الحرام والتي يجبيها الوهابيون وينفقونها على اللوحات واليخوت.
- إن الدولة الموقرة إنما تفعل ذلك لمقاومة الامبريالية والدولار رمزها، فهو مشؤوم يسلب الألباب، وهو من جهة أخرى اعتذار وديّة، واستعادة للهوية، لأن الوطن حضن، وسينعم المواطن بالدفء والحب، وسيكون مرة واحدة، وهي أجرة غرفة في فندق ليلة واحدة بنجمتين، وهذا يثبت أنّ الوطن ليس فندقاً.
*أحمد عمر - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية