أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

طائرة ابراهام المسالمة... عبد الرزاق دياب*

ليست فلسطين هي التي خرجت من أرضها، ولكنها طائرة ابراهام غادرت بوفدين إلى أبو ظبي، وهما الأول الراعي والثاني اسرائيلي يفتح عويصمة عربية جديدة، وأما فلسطين فهي في مكانها بالرغم من دعاة سلام ابراهام الذي سيكون مقدمة غزوات جديدة في الأرض والسماء التي تمنح الإذن بالعبور.

مظاهر الاحتفاء الإماراتي بطائرة ابراهام لما فيها من بركات التقدم الإسرائيلي- في مجالات الزراعة والصناعة والطاقة باستثناء السلاح- تفوق ما حاول المراسلون في أرض المطار نقله إلى المشاهد، والذي رأى لهفة وارتباك ممثلي المضيف، وسطوة وثقة القادمين إلى أبو ظبي حيث كانت نظراتهم ثابتة ومبتغاهم واضح البصيرة.

خطاب كوشنير للفلسطينيين أن يلتحقوا دون تأخير بمسيرة السلام الجديدة، وألا يضيعوا فرصة أخرى أضاعوا في السابق مثيلاتها، وهذه المرة قد تكون مشفوعة بالمال والنفط وفك الحصار، وأما فلسطين التاريخية والقدس فتلك حكاية أخرى يمكن أن تأخذ طريقها إلى النسيان بفعل الهبات والحياة الموعودة.

لطالما كانت فلسطين التي تتضاءل على الخريطة وتكبر في الوجدان هي ملجأ الطغاة للقتل والاستبداد، وملجأ مشغليهم كي يقولوا إننا فعلنا، وأما السفلة والصغار فيرون القضية مجرد ثمن بسيط يدفعونه كي يحافظوا على عروش ما بعد الفراغ كما أسماها العراقي مظفر النواب.

لن يستطيع كوشنر أن ينقل فلسطين بطائرة اسرائيلية إلى أعماق المحيطات وهذا ما يتمناه كي يقال أنه هرتزل الجديد أيقونة إسرائيل الكبرى التي استطاع احتلال عواصم الرمل بعد تدمير عواصم التاريخ في الشرق المشوب بشبق النهايات الحارة.

قبل كوشنر تآمر مشايخ الرمل على الشام وبغداد وصنعاء، وحولوها إلى مقابر لا تستطيع أن تنظر أبعد من شواهد الغدر، والتلال التي كانت تطل على الحولة ونهر اليرموك باتت حطاماً أو ترفع فوقها رايات السواد التي تؤمن باللطم والحسرة وتعلن شعارات العودة إلى القدس على رفات السوريين والفلسطينيين، وهاهم يحيلون لبنان بلداً جائعاً إلا من ذاكرة الأمس.

اليوم ترفع إسرائيل اصبعها الوسطى في سماء عربية عبرتها الطائرة المسالمة، وهذا حلم لم يكن ليتحقق لولا هزائم العواصم الكبرى، وهذه الإمارات الصغيرة صار لديها الجرأة على النيل من هيبة تاريخ كانت خارجه عندما كانت إلى وقت قريب مجرد خيمات متناثرة تذروها الريح، وتعيث فيها الجمال روثاً ورغاء.

مع كل هذا الأسى فأنا من جيل عرف فلسطين صغيراً في كتب المدرسة، ومراهقاً وشاباً في مخيم اليرموك ومخيم فلسطين، ورأيتها في عيون زهير وخليل وأيمن ومهند، وكل هؤلاء كانوا يرونها من بوابة انتماءاتهم الفصائلية والأيديولوجية، ولكنها كانت دائماً فلسطين.

بعد الحرب ما زلنا نحب فلسطين كطوق نجاة، وحتى قضايانا الضيقة في العودة تعيد إلينا قصة التغريبة الفلسطينية في الشتات والحلم، ولا دمشق ناجية من حطامها دون فلسطين، وستكون بغداد وبيروت وصنعاء أرامل وحيدات في سجن الشرق المحموم.

*من كتاب "زمان الوصل"
(207)    هل أعجبتك المقالة (212)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي