ما من مرة زرت فيها تركيا، والتقيت بالسوريين هناك، إلا كان حديث الجنسية التركية، والمرحلة الرابعة، هو المسيطر على كل نقاشاتهم .. سوف تتعرف خلال ساعات على كم كبير من أسماء الجهات الحكومية التركية، تماما مثلما أصبح السوريون في دول اللجوء الأوروبي، يتحدثون عن أسماء الجهات الحكومية الخاصة بمعاملاتهم الورقية هناك، ويتداولون أسماءها ومعلوماتها، باشتهاء غريب، إذ أنها تجربة ممتعة، أن يجلس سوريون ويتحدثوا فيما بينهم عن علاقتهم بجهات حكومية، ليس بينها فرع الأمن العسكري وفرع الجوية وأمن الدولة والأمن السياسي وفرع الحزب وفرع المنطقة والقيادة القطرية والاتحاد العام للحرفيين واتحاد شبيبة الثورة، وغيرها من المسميات التي أصبحت مثيرة للقرف والإقياء لدى السوريين.
لكن على جانب آخر، فإن تواجد السوريين في بقع جغرافية متعددة من العالم، جعل من عملية اللقاء فيما بينهم لا تخلو من الملل والرتابة، فإذا ما التقيت بسوريين في ألمانيا فإنهم يمضون السهرة كلها في الحديث عن "الأوسلاندر" و"الجوب سنتر" وغيرها من المسميات الغريبة على مسامعك، ونفس الشيء في فرنسا سوف يتحدثون عن "الليزيمبو" و"البلومبلوا" و"الكونسيه جنرال"، أما في تركيا فسوف تسمع كثيرا مسميات، مثل "النفوس" و"دائرة الهجرة " و"الأمنيات" و"البي تي تي" و"النوتر" .. فتتمنى في كثير من الأحيان لو أن نرجع ونتحدث عن فرع الأمن العسكري .. على الأقل، جميعنا يعرفه أو سمع باسمه.
ومن التجارب المثيرة في تركيا، أنه بعد انقضاء فترة زمنية معينة على وجودك فيها سوف يتوقف موبايلك عن العمل تماما، وعندما تسأل عن السبب، سوف يخبرونك أنه بحاجة لـ "تتريك"، وأن هناك موديلات يصعب "تتريكها"، لذلك عليك شراء موبايل مستورد خصيصا لتركيا، بسعر يفوق كثيرا سعره الحقيقي.
لم تثرني الفكرة بقدر ما أثارني استخدام مصطلح "تتريك"، المستعار من كتب المرحلة الثانوية، والتي كان النظام يصور فيها بأن العثمانيين الذين حكموا المنطقة العربية لنحو 400 عام إنما حاولوا فرض سياسة "التتريك"، بينما على أرض الواقع، وبعد كل هذه القرون، فلم نسمع من أسلافنا بأن الناس في سوريا أو غيرها من الدول العربية كانت تتحدث اللغة التركية، بل الحقيقة أن اللغة العربية هي التي أثرت في اللغة التركية لدرجة سوف تجد في لغتهم الكثير من المفردات العربية.. بالإضافة إلى ذلك فإن تركيا من الدول القليلة التي لا تشترط تعلم لغتها لنيل جنسيتها، وهو ما يعني بأن مطلب السوريين بالحصول على الجنسية التركية لا يتطلب منهم أن يصبحوا أتراكا، بل بإمكانهم أن يبقوا سوريين بكامل هويتهم، لكن مع بطاقة تعيد لهم الإحساس المواطنة، التي لطالما فقدوها في بلدهم وفي بلدان اللجوء.
قال لي أحد السوريين في تركيا، ممن وصلته رسالة تشير إلى إلغاء ملفه من التجنيس بعد انتظار لأكثر من ثلاث سنوات في المرحلة الرابعة : "ليس هناك امتيازات في الجنسية التركية، وجواز السفر التركي ليس أفضل سوى بدرجات قليلة من الجواز السوري، ومع ذلك أصبت بخيبة أمل كبيرة، وإحساس مفتوح بالضياع من جديد.. لأنني تعبت كثيرا من كلمة لاجئ ومن الكيملك ومن إذن السفر .. إنها أشبه بقيود تطبق على رقبتك وتمنعك من فعل أي شيء يساعدك على الاستقرار".
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية