الصمت رسالة وموقف الكثيرين من المشتغلين في الابداع السوري على اختلافاته، وقد يحسبه البعض هواناً وتخاذلاً والبعض الآخر قد يجد له مبررات كثيرة ربما تفوق الجعجعة التي تفعل فعل القتل في غير مكانها، ولكن الصمت الذي لا يمكن تبريره هو ذاك الذي يأتي على هيئة الجماد في الروح قبل حياد ارتجاف العين واليد لغرق طفل أو مجزرة مروعة في بلدك.
لم يكن مطلوباً من مبدعي سوريا أن يفتحوا صدروهم للرصاص، أو يحملوا البنادق دفاعاً عن بيوت جماهيرهم أو حتى عن بيوتهم الصغيرة، ولم يكن مرجواً منهم ذلك على أن لهم صوت مختلف يصل بسرعة فتح الفم المغلق لآهٍ عابرة أو صيحة سخط.
قلة تلك التي انضمت إلى صفوف الناس في هتافها المحموم، وغالبية آثرت صمت المنافق، وخوف الخراف من يباس المرعى، وجمهرة قبلت الأحذية بشفافها تارة وقلوبها تارة من دون خجل.
وصلت الوقاحة بأمثال نجدت أنزور وجود سعيد وعارف الطويل وأمل عرفة ودريد لحام أن يروا في الدمار جمال الوطنية، وأن تدور الكاميرا بين البيوت المدمرة باحثة عن دم الذبيحة ليكون قربان نصر على الحطام والبشر.
اما عن الـ (هيصة) الكبيرة لعودة مرايا ياسر العظمة مع عودته الميمونة لحضن الوطن- طبعاً ليس لأول مرة فهو لم يغادر فعلياً ولم تنقطع زياراته- والتهليل لها على أنها انتصار للفن العظيم الساخر المحرض فهي فورة مطبلبن لا أكثر، وعامّة لم تتأثر بما يجري حولها، ولا تدري أين تدسّ الأصابع الآثمة بصمت في أحشائهم.
ليس الفن بمفهومه المحرّض المؤثر مجموعة نكات سمجة تمرر من خلالها انتقادات لمختار القرية أو رئيس وحدة الزراعة، وليس استنساخاً لقصص عزيز نيسن التركي في نقده العميق لبيئة مختلفة في زمن مختلف وحال بائسة لا يفيض فيها الدم.
أن يشهد عارف الطويل لمرايا العظمة ولنجوميته فذاك عار ما بعده عار وإشارة من الشبيحة إلى سطوتهم على شاشة الناس ونجومهم، فماذا يعني هذا الاطراء الغبي: (مرايا هي من أكثر الأعمال جرأة واحتراماً في الوطن العربي).
لم يكلف العظمة نفسه بالتقاط سيلفي سريع مع لاجئ سوري في مخيمات الداخل والخارج، أو نازح هجرته القذائف من بيته في أرياف العاصمة إلى حواريها الفقيرة، أو مواسياً أهل دمشق بفداحة ما يحل بالمدينة التي ينتمي إليها.
ليته صرخ مندداً بالجوع والاقصاء مثل بشار اسماعيل، أو ساخطاً من فساد الحكومة بوزرائها وانتخاباتها كما يفعل أولئك الذين ما زالوا يرون في البعث ملهماً، أو باكياً عابراً كغسان مسعود ونائحاً كسلوم حداد ولو كذباً.
قد يرى البعض أو كثيرون فيما سبق تطاولاً على من أحبوه، ولكن بعد أن (تحطو الفهوة ع النار) التي دعا إليها العظمة سنرى أي قهوة ستتذوقونها على نار باردة، فالنار التي يكتوي بها السوري من جوع وفقر ومرض لن تطفؤها النكات الغبية والنقد الساذج المرتجف.
عبد الرزاق دياب - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية