بعد 15 عاما من اغتياله و13 عاما على تأسيسها، خرجت المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الحريري بقرار اتهم شخصا واحدا هو "سليم عياش" المنتمي لحزب الله، بينما برّأت ثلاثة آخرين رغم اعتراف ضمني بأنهم فبركوا شريطا مصورا لشخص يدعى "أحمد أبو عدس".
هل صحيح أن شخصا واحدا خطط ونفذ تفجيرا من وزن ذلك الذي دمّر موكب الحريري المدجج بالتكنولوجيا الأمنية وقتل رئيس الوزراء و21 آخرين، وهل يعقل أن نحو 600 مليون دولار وهي تكاليف المحكمة، وآلاف المحاضر والصفحات والرحلات المكوكية بين جنيف ودمشق وبيروت وباريس وعواصم أخرى انتهت إلى "عياش" فقط.
في مسرح الجريمة وعلى أرض لبنان كان هناك ضباط سوريون بينهم شهود مؤكدون وشركاء، بينهم "غازي كنعان" و"رستم غزالة" و"جامع جامع"، فأين كل هؤلاء اليوم، لقد قتلوا في سوريا التي قتل فيها أيضا "آصف شوكت" رئيس شعبة المخابرات العسكرية وقت التفجير، و"مصطفى بدر الدين" و"عماد مغنية" وآخرون.
بعد جريمة الاغتيال ثمة محاضر تحقيق نشرها المحقق الألماني "ديتليف ميليس" تظهر انهيار الجهاز الأمني السوري، وسلسلة من التحقيقات مع الضباط في مجمع "مونتي روزا"، وتذهب المعلومات إلى أن بشار الأسد الذي امتنع بداية عن المثول أمام المحقق جرى اقتياده مع آصف شوكت وشقيقه ماهر إلى جنيف بضمانة دول كبرى، وبمواكبة جوية روسية.
تفاصيل التحقيقات أكبر وأعقد من قرارها الاتهامي، وعمليات التصفية التي جرت للمتورطين في هذا الملف الأمني تشير بوضوح إلى مسؤولية مباشرة حتى ولو لم تستطع المحكمة إثباتها، فغالبا ما يخضع هذا النوع من المحاكمات لتسويات دولية.
ماذا لو قالت المحكمة إن بشار الأسد وحسن نصر الله مسؤولان مباشران عن الجريمة، هل يفسر ذلك التسوية بين الأسد وسعد الحريري، وبين الأخير ونصر الله وشراكتهما الحكومية.
لا شك أن الحريري الابن كان عارفا بسقف الاتهام، وأن الخيبة على المستوى الشعبي والإعلامي طبيعية لأن ترتيبات الملف تجري سياسيا تحت الطاولة، وتخص قوى إقليمية منها السعودية التي ساهمت بجمع الحريري والأسد بينما كانت المحكمة تعقد جلساتها في لاهاي.
وقتل رفيق الحريري مرتين، الأولى من قبل القوى التي ارتكبت الجريمة، والثانية من قبل القوى التي طوت الملف و"بازرت" فيه، إلا أن رفيق الحريري استطاع أن يجر قتلته من أرجلهم، بعضهم قيل إنه اغتيل وبعضهم قيل إنه انتحر، وهناك من يقتل كل يوم أو سيكون مصيره القتل سواء في نظام الأسد أو حزب الله.
الحديث السياسي عن أن مجلس الأمن الدولي ستكون له كلمة أخرى هو نوع من إرضاء الذات وتضليل الناس، فمجلس الأمن هو ذاته المكان الذي كان يمكن أن ينهي مقتلة مئات آلاف البشر في سوريا وفي لبنان، لكن قراراته تخضع لمعادلات الصراع والنفوذ فقط لا لقيم الإنسانية والعدل.
كما أسس اغتيال الحريري لحقبة من الظلم والدمار في لبنان، ستكون المحكمة الخاصة به نقطة تحول في قناعات الشارع وترتيباته، وربما سيشهد لبنان حقبة من جمر الانتقام تحت رماد الظلم.
*علي عيد - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية