أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الثواني اللبنانية والسنوات السورية... ماهر شرف الدين*

الوداع - جيتي


الثواني التي عاش فيها اللبنانيون رعب الانفجار الكبير في مرفأ عاصمتهم، قابلتها سنواتٌ طويلةٌ عاش فيها السوريون رعباً أكبر بكثير وغير قابل للقياس. فالأطنان الثلاثة التي فجَّرت جزءاً من العاصمة اللبنانية، كان قد أُلقيَ قبلها عشرات آلاف الأضعاف من المتفجّرات فوق المدن والقرى السورية.

هذا ليس كلاماً للانتقاص من هول الفاجعة التي حلَّت بالأشقَّاء، بل هي مجرَّد مرثية لأهلنا الذين دُفِنَ الآلاف منهم تحت أنقاض المنازل التي عمَّروها بجنى أعمارهم. البرميل المتفجّر الذي كان يُلقى على المنزل مباشرةً، لا يمكن تشبيهه بأي انفجار آخر يضرب آلاف الشقق والمنازل معاً.

"استفراد" البرميل المتفجّر بمنزلٍ صغيرٍ لا يشبهه أَسَى آخر.

"استفراد" ألف كيلوغرام من المتفجّرات بمنزلٍ، قلَّلَ أصحابُه الحديدَ في أعمدته الإسمنتية بسبب الفقر، لا يمكن مقارنته بهَوْلٍ آخر.
ثواني الانفجار اللبناني استطالت لسنواتٍ في سوريا. وقبل الذين قذفهم انفجارُ بيروت لبضعة أمتار عن مكان وقوفهم أو جلوسهم، ثمَّة الذين قذفهم انفجارُ سوريا لآلاف الكيلومترات؛ إلى البحار البعيدة والمحيطات التي نقرت أسماكُها عيونَ الآلاف من غرقاهم.

إنَّ مرحلة لملمة الجراح، أو لعق الجراح، التي يعيشها الأشقاء اللبنانيون، هي "تَرَف" كبير لا يجرؤ كُثُرٌ من السوريين على التفكير فيه بعد.

بل إنَّ صوت كنس الزجاج المتناثر في شوارع بيروت، والذي فطرَ قلوب اللبنانيين وقلوب شعرائهم، ربما يكون أمنيةً بعيدةَ المنال لدى ملايين السوريين الذين لم تُتَحْ لهم العودة إلى شوارع بلداتهم ومدنهم المدمَّرة التي هُجّروا منها، فكيف بالأحرى كنس زجاجها!

إنَّ الأسى المحفوظ في كلّ حجر في بلادنا يجعل من مآسي الآخرين مناسبةً لرثاء الذات والبكاء على أطلالها. وهذا جُلُّ ما أحاول قوله بهذه الكلمات القليلة.

*شاعر وكاتب سوري - من كتاب زمان الوصل
(441)    هل أعجبتك المقالة (331)

مصطفى جسري

2020-08-20

هذا الكلام ولا خبار عليه كله سببه النظام الطائفي.


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي