· يمكن لقصة "مقام السيدة رقية" أن تلخص وتكثف خطط وخطوات التحالف نظام الأسد وإيران
· انتزع التحالف آلاف الأمتار في منطقة يعد المتر الواحد فيها من أثمن الملكيات ماديا ومعنويا
· رغم طرازها المعماري البديع الذي استوحى منه الكثيرون، فإن "المقام" ينتصب وسط دمشق بطراز فارسي
نعت عائلات شيعية وفاة أحد القائمين على أهم مزار ومقام للشيعة وسط دمشق القديمة، والذي وافته المنية صباح اليوم الجمعة 14 آب/أغسطس 2020، حيث سيدفن في مقبرة "السيدة زينب" بريف دمشق.
وجاءت وفاة "الحاج عبده أبو كلام"، كما وصف في النعوة، بعد سنوات طوال قضاها "خادما لمقام السيدة رقية" في حي العمارة بدمشق، وهو أهم مزار للشيعة على الإطلاق وسط العاصمة القديمة، ويبعد عن المسجد الأموي أقل من دقيقتين مشيا على الأقدام.
وللمتوفي "أبو كلام" عدد كبير من الأحفاد وأبناء الأحفاد، بينهم من يحمل لقب "السيد" كناية عن انتمائهم إلى البيت النبوي، حسب معتقدات الشيعة.
*صار له "ظهر"
يزعم الشيعة أن "المقام" يضم ضريحا لرقية بنت الحسين بن علي، التي شهدت موقعة "كربلاء" وعاينت مقتل أبيها الحسين، ثم اقتيدت إلى الشام ضمن "ركب السبايا" لتعرض على "يزيد بن معاوية" وهناك توفيت ودفنت، حسب روايات الشيعة.
وتستوطن عائلات شيعية منذ زمن بعيد أحياء متعددة في دمشق، مثل: الجورة، الأمين، زين العابدين، ولها مقامات ومزارات متعددة، لكن حضورهم و"نشاطهم" كان متواضعا، حتى وصل "حافظ الأسد" إلى السلطة بانقلاب عسكري دموي في سبعينات القرن الماضي.
وصول "حافظ" إلى الحكم، لم يسهم فقط في تحريك شيعة دمشق وسوريا بعد طول سكون، بل عمل بكل قوته على نفض الغبار عن "مقاماتهم" وتجديدها وتضخيمها بشكل لم يسبق له مثيل، وشهد هذا الأمر تسارعا وزخما أكبر بعد اعتلاء "الخميني" سد الحكم في إيران، ما أسفر عن عقد تحالف استثنائي بينه وبين نظام الأسد، كان من أهم ركائزه ضمان تمدد المشروع الإيراني في المنطقة، وتحويل بلدانها إلى محميات تتبع هذا المشروع.
ولعل وفاة خادم "مقام السيدة رقية" تشكل مناسبة مهمة، لتسليط الضوء على بعض ما اعترى المشهد الشيعي في سوريا، على يد التحالف الأسدي الإيراني، باعتبار أن قصة "المقام" وتجديده وتوسعته تشكل أنموذجا ملائما لفهم مبادئ وأهداف هذا التحالف.
فطول قرون كان "مقام السيدة رقية" عبارة عن مكان متواضع في مساحته وشكله، حتى حلت ثمانينات القرن الماضي، حيث أحس "حافظ الأسد" كما لم يشعر من قبل بأن له "ظهرا" وسندا قويا يمكّنه من فرض ما يريد من "تحولات" على وجه سوريا عموما، ودمشق خصوصا، بعد انقلاب "الخميني" واستفراده بالسلطة في إيران، وإعلانه بكل وضوح رغبته في "تصدير الثورة".
وقد بدأ "حافظ" في مخططه بخصوص "مقام رقية" عبر التوجيه لإصدار قرار يحمل الرقم 264/أ بتاريخ 1/11/ 1979، ويصنف المقام بوصفه "أثرا منفصلا عن مدينة دمشق"، ثم شرع بعد ذلك بإحداث أكبر توسعة للمقام، حولته من مكان متواضع ذي مساحة صغيرة، إلى مكان تناهز مساحته 4 آلاف متر مربع.
اللافت أن هذه التوسعة استمرت 15 عاما تقريبا حتى تمت، وحتى تم خلالها قضم آلاف الأمتار من دمشق القديمة، التي يعرف كل من يسكنها أن المتر الواحد فيها يعادل معنويا وماديا آلاف الأمتار فيما عداها من المدن السورية، لاسيما المناطق المحيطة بالجامع الأموي.
ورغم انتصابه وسط دمشق الأموية، التي جسدت مثالا بارزا في العمارة احتذت به كثير من مدن الشرق والغرب، فإن "مقام السيدة رقية" زخرف وهندس على طراز العمارة الفارسية، وليبدو وكأنه "مقام" مشاد في قم أو طهران!
وخلال الحرب السورية التي تدخل عامها العاشر قريبا، تحولت "مقامات" الشيعة في دمشق ومحيطها، ومنها "مقام السيدة رقية" إلى أماكن حشد وتجييش وتجنيد لآلاف المرتزقة الطائفيين القادمين من خلف الحدود، لاسيما إيران وأفغانستان والعراق، حيث بات سكان دمشق القديمة يحسون بوطأة هذا الأمر أشد من أي وقت مضى، رغم أن "المقام" كان ومنذ عقود مفتوحا على مصراعيه لاستقبال مئات آلاف "الزوار" و"الحجاج"، حسب التوصيف الشيعي.
إيثار عبدالحق - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية