دعاني مجموعة من الشباب السوريين لحفلة طرب في منزل أحدهم، بعدما عرفوا حبي للنغم والموسيقا..كانوا سبعة شباب، أحدهم كان يعزف على العود، ويبذل مجهودا كبيرا من التعابير في وجهه وجسده من أجل إخراج النغمة، وكأنه يحمل أسطوانة غاز ثقيلة في حضنه ويعزف عليها. أما الباقون فكانوا يلاحقون أنغام عوده الفالتة بحثا عن ما يناسبها من غناء.
بقينا على هذه الحالة لأكثر من ساعة، تسرب خلالها الضجر إلى أطرافي، وشعرت معها أنني في ورطة كبيرة، علي الخروج منها بأسرع ما يمكن، فبدأت ألملم أغراضي وأضعها في جيبي استعدادا للرحيل..فانتبه أحد الشباب للأمر، الذي باغتني بالسؤال: شو أستاذ كأني ما عجبتك السهرة..؟ فقلت له: بالعكس .. السهرة جميلة، لكن هناك انفجار كبير في بيروت، وعلي أن أتابع الحدث، وبصراحة اعتراني التشتت، فلم أعد قادرا على التركيز معكم .. فرد: ايه بسيطة أستاذ، هلا منصير منغني لبيروت ولبنان.. ثم توجه نحو أصدقائه صارخا: يالله شباب سمعونا شي غنية للبنان..كانت الرسائل تأتيني تباعا على جوالي، وتنقل لي بشكل عاجل تطورات الحدث في بيروت، بالإضافة إلى رسائل من بعض الأصدقاء الذين كانوا يسألونني فيما إذا كنت أتابع ما يحصل أم لا، وعن رأيي بالانفجار..تخلصت من الشباب السوريين بشق الأنفس، وكاد صاحب العود أن يخرج معي إلى بيتي لكي يسمعني عزفه، على وقع متابعتي لأخبار الانفجار، إلا أنني وعدته بسهرة خاصة، أستمع فيها له بكل جوارحي.. وهكذا فررت منه.
في ذلك اليوم ، بقيت حتى ساعات الصباح الأولى متنقلا بين القنوات الإخبارية، استمعت فيها لكل الآراء والتحليلات، والتي كانت تشبه إلى حد كبير، عزف صديقنا الشاب السوري على العود.. لكن أكثر ما لفت انتباهي، هو وسائل التواصل الاجتماعي السوري، التي كانت ملأى بشتى الأفكار النشاز، من شامت بالشعب اللبناني، إلى مدافع بالبارودة والكلاشينكوف، عن هذا البلد والشعب، بينما قلة قليلة من الناشطين، من ذهب إلى تحليل الحدث بشكل موضوعي، وبعيدا عن لغة الكراجات والمواقف المسبقة.
مرت الأيام التالية مفعمة بالأحداث والتحليلات، وعلى مبدأ "يسعد الله .. ولعت" ، باعتبار أن السوريين باتوا على قناعة تامة، بأن رحيل نظامهم في دمشق، لا بد أن يسبقه رحيل ميلشيا حزب الله الإيرانية في لبنان، وزعيمها حسن نصر الله، وربما أنهم شعروا بأن هذا الحدث، ما هو إلا مقدمة لهذا الإنجاز العظيم، والذي بدأت ملامحه تلوح بالأفق، مع بدء انهيار حكومة حزب الله ومجلس نوابه، وباقي أجهزة الدولة ومؤسساتها التي يسيطر عليها، بدفع من الاحتجاجات الشعبية التي ملأت الشوارع..لكن الكثيرين تناسوا، أن حزب الله يشبه كثيرا منظومة بشار الأسد في دمشق، التي لم تستطع الاحتجاجات الشعبية أن تسقطها، بل زادتها توحشا وإجراما بحق الشعب السوري، وهو المنحى المتوقع الذي قد يتجه إليه حزب الله، فيما لو وصل "البل إلى ذقنه" كما يقول المثل الشعبي.
الكثيرون يراهنون اليوم على أن لبنان غير، متناسين كذلك ما فعلته الحرب الأهلية على مدى 15 عاما، دون أن تتدخل أي من الدول الكبرى، لإيقاف شلال الدم والدمار الذي خلفته تلك الحرب، وهو أيضا السيناريو المتوقع فيما لو قرر حزب الله التغول على الدولة اللبنانية والشعب، فعلى الأغلب، أن الأطراف الدولية سوف تسعى لتغذية هذا الصراع، من أجل إغراق لبنان في حرب أهلية جديدة، لا تبقي ولا تذر، وكل ما ستفعله هو إرسال سفنها إلى الشواطئ اللبنانية لنقل اللاجئين، ومثلما فعلت إبان الحرب الأهلية في منتصف السبعينيات.
إن التفكير في حل المسألة السورية أو اللبنانية، من الأشياء التي تصيب المرء بالدوخة، والصداع، لأن إيران نسجت سجادتها الإرهابية في المنطقة على مدى سنوات عديدة، وبشكل متقن، من أجل أن تعيش سنوات طويلة، ولا تتعرض للاهتراء بهذه السهولة..وأي تفكير، حتى بثقب هذه السجادة سوف يكلف المنطقة الكثير من الدماء والدمار..فما الحل..؟
الحل، أنني اتصلت اليوم بالشباب السوريين "بتوع" الموسيقا، وطلبت منهم عقد سهرة طربية جديدة..فما أجمل "طنينهم" مقابل هذا الصراع الذي يسببه لك التفكير بأحوال المنطقة ومستقبلها..!
حفلة سمر من أجل 4 آب.. فؤاد عبد العزيز*

*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية