أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

كل الطرق تؤدي إلى.. جيبه*

أرشيف

لم يعد خافياً على أحد ما وصل إليه الحال في سوريا، وضع متأزم اقتصادياً وصحياً وسياسياً، حتى بات المواطن المسحوق على شفير المجاعة يجابه الحياة في محاولاته للبقاء بخير لا أكثر.

هذا الوضع المتراجع يوماً بعد آخر استلزم مساعدات إنسانية عاجلة من الأمم المتحدة والدول الكبرى، فلم يعد وضع المواطن العادي يتحمل أكثر بعد.

لكن هذه المساعدات واجهت الكثير من الصعاب قبل أن تصل (وربما لم تصل) إلى المستهدفين مع سيطرة قوات النظام والقوات الروسية على المعابر الحدودية والطرق المؤدية للمناطق الأكثر حاجة.

لذلك تحاول الدول الأوروبية أن تدرس بدائل لتجنب سيطرة النظام على مساعدتها، فملايين النازحين السوريين سيكون مجرد بقائهم على قيد الحياة ضرباً من المستحيل إن لم تصلهم هذه المساعدات في الوقت المناسب.

لكن الأسد ما يزال يعتقد أن قضية سماحه للمساعدات بالعبور قضية مواجهة دبلوماسية يثبت من خلالها قوته الوهمية، في حين أن موسكو هي المسيطر الفعلي على هذه الطرقات.

منذ عام 2014، استخدمت موسكو حق النقض أكثر من مرة في منع وصول المساعدات الإنسانية إلى محتاجيها من السوريين، في خطوة غير مبررة على الإطلاق، واليوم تنحصر نقاط العبور إلى نقطة واحدة ما ينذر بالكارثة، فيسحق السوري بين الأزمة الاقتصادية وانخفاض قيمة الليرة، وبين وباء الفيروس التاجي المستفحل يوماً بعد آخر.

ما يجعل وضع المساعدات الإنسانية في سوريا كارثيا، في بلد ممزق بين مناطق سيطرة الاحتلالات الكثيرة على أرضه إضافة للنظام، فإن الحد من المساعدات عبر الحدود يعني حرمان السوريين من الدعم الذي يحتاجونه بشدة خاصة الذين يعيشون خارج المناطق التي يسيطر عليها النظام.

اضطرت ألمانيا وبلجيكا إلى اقتراح استخدام نقطة عبور واحدة لمدة سنة واحدة على الحدود التركية، في باب الهوى، وقبل ستة أشهر، أغلقت موسكو معبرين حدوديين أحدهما مع الأردن والآخر على الحدود مع العراق، عبر استخدامها حق النقض، الذي تستخدمه موسكو حتى تكون جميع المساعدات تحت سلطة الأسد ليتحكم بمرورها، فلولا الفيتو الروسي لسلمت أطنان من المساعدات الإنسانية دون الحاجة إلى التنسيق مع النظام السوري، الذي يرغب الروس بفرضه على أنه السيد الوحيد على سوريا.

لكن وجود نقطة عبور واحدة فقط على الحدود التركية السورية سيحد بالضرورة من قدرة الدول على مساعدة أكبر عدد ممكن من الأهالي وسيجعل عمليات التسليم أبطأ وأكثر تكلفة، وسيجبر قوافل المساعدات أن تنتقل من المناطق التي يسيطر عليها النظام إلى المناطق الخارجة عن سيطرته.

من الطبيعي أن نتساءل لماذا تستخدم موسكو حق النقض في موضوع مثل المساعدات الإنسانية ما الذي يضرها في ذلك؟

باعتقادي الجواب في منتهى البساطة، فروسيا تريد أن تثبت للعالم أجمع أن الأسد انتصر عسكرياً ويعيد سوريا إلى طبيعتها، وأنه بسبب هذه النجاحات العسكرية لم تعد مساعدات الأمم المتحدة ضرورية.

تريد روسيا أن توضح أن الأسد هو المسؤول وأنه يمكن استعادة سيادة الجمهورية السورية وأن تتمركز جميع العمليات الإنسانية للأمم المتحدة في دمشق، ما يتيح للأسد السيطرة الكاملة على هذه المساعدات ليتحكم بها وبطريقة توزيعها كيف ما يريد وأين ما يريد.

استخدم بشار الأسد بشكل ممنهج الدعم الدولي لتقوية نفسه عسكريا ومالياً وسياسياً.

- عسكريا: بقطع وصول المساعدات إلى المناطق الخارجة عن سيطرته.

- مالياً: من خلال اشتراط توجيه هذه الأموال من خلال شركاء محليين قريبين منه وبالتالي مجرد هم غطاء صوري لأعماله الخاصة.

- سياسياً: من خلال فرض نفسه عالمياً على أنه رئيس وذو سيادة، باعتباره السلطة الشرعية الوحيدة التي يمكن للأمم المتحدة التنسيق معها لتقديم الجزء الأكبر من مساعدتها الإنسانية.

ومن هنا فإن جميع المساعدات بما فيها حوالي 7 مليار يورو كمساعدات إنسانية قدمتها الجهات المانحة -الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وألمانيا والمملكة المتحدة وفرنسا، والمفارقة أن هذه الحكومات لا تعترف بشرعية الأسد كرئيس دولة ولكنها مضطرة أن تتعامل معه إذا أرادت أن تصل المساعدات إلى محتاجيها ما يبيح للأسد وزوجته المزيد من الاختلاسات، ليصب كل شيء في جيبه حتى مساعدات العالم لمن هجرهم وقتل أولادهم وأفقرهم.

*مزن مرشد - من كتاب "زمان الوصل"
(242)    هل أعجبتك المقالة (230)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي