أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

أحلام عبد الساتر .... مرهف مينو

-         ولك قديش انت تافه وجحش ؟؟؟؟

تلقى عبد الساتر الكلمات بذهول وهو ينفض التراب العالق بقميصه " خملة الدراق " الذي اشتراه البارحة

خرج من البيت صباحا تتبعه دعوات أمه الضريرة وهي تمسك بقبضة الباب لم يتزوج " عبدو " كما اعتاد أصدقاؤه أن ينادوه في المديرية :

-         تعا ولك عبدو .... روح ولك عبدو ؟

عبدو كان مستخدما بسيطا في المديرية يوصل الشاي والقهوة للموظفين وراء مكاتب التنك

دائما منكس الرأس تتقاذفه كلمات الشفقة والمزاح أو تلك الشتائم التي كان يسمعها حتى لو كانت همسا

-         عبدو ليش ماتزوجت حتى الآن ؟

سؤال يسمعه باستمرار حتى مّله. كان يرفع رأسه قليلا عن الأرض ويعدّل من وضع نظارتيه السميكتين بأصبعه الجاف الأصفر

-         بس لاقي بنت الحلال

ويعود لإطراقته وهو يجرّ قدميه للخروج من المكتب

لم يكن أحد يعلم ما بعقل عبد الساتر ولا حتى أمه العمياء ... كان يجلس أحيانا ساعاتٍ بعد أن يتناول قليلا من الطعام غير المملّح الذي تعدّه أمه المريضة

يجلس في الفسحة الصغيرة التي تجاور غرفته ويرفع قدميه على طاولة الخشب الوحيدة التي في البيت ويحلم

يحلم بالخمسمائة ليرة التي تحت السرير. استطاع توفيرها من البخشيش الذي يأخذه من الموظفين كل شهر ....

سيشتري قميصاً جديداً وحذاء أسود لامعا، ويحلق ذقنه السوداء الخشنة ويذهب ليتمشى في الحي الراقي "يلصلص" على سيقان النساء وصدورهن من خلف زجاج نظارته السميكة , يحاول الاقتراب منهن وهنّ يشاهدن واجهات المتاجر الفخمة

اكتسب عبد الساتر خبرته النسائية هناك. كان مولعا بتلك الرائحة التي تختلط فيها العطور وروائح المكياج ... يقترب  منهنّ بهدوء متعللا بتفحص إحدى السلع ويضيع داخل عالم لا يتسع إلا له 

ينتظر ساعات أحيانا ليرى فتحة صدر أو كعب قدم وأحيانا بطة ساق

من حسن حظه اليوم الجو حار كان يمني نفسه بمناظر " غير شكل "

خلف عدستي نظارته وإطراقة رأسه جوع لا يشبع ......

بين رماد شعره نارٌ لا تهدأ وخيالٌ معظمه من الجحيم ....يتخيل نارا مشتعلة .... حلقة من النساء العاريات إلا من الملابس الداخلية التي تمسكها بعض الخيوط الرفيعة. نار حمراء لاهبة يرقصن حولها بجنون وظلها يمتد على الجدران و الصخور المحيطة

هذه كانت خيالاته التي لا تنتهي .....

اليوم أحسّ بضآلته تزداد. أصبح أصغر من قبل. تبخرت كل أحلامه الصغيرة أمام نعرة تلقاها من " مارد " يشبك يد عصفورة. ألقته النعرة أرضا وسط الشارع المفضّل لديه. حمل نظارته الملقاة إلى جانبه ونظر إلى المارد الذي مازال يقف فوقه ويبتسم ابتسامة صفراء

-         ولك قديش انت تافه ..... وجحش ؟؟؟؟

لمح العصفورة تتلفت وهي متململة. لم تنظر إليه أبدا. سحبت ماردها من يده المشعرة وذهبا

هو يعرف أنه تافه ..... أما جحش فهي جديدة

الكلمة ظلت تتردد في رأسه وهو ينفض قميصه ويزيل ماعلق على سواد البنطال

-         جحش .... جحش ....جحش ....

لم يتوقع أنّ أحلامه التافهة بامتلاك رائحة امرأة  وشوقَ أصابعه لملمس جلدها بعيدة إلى هذه الدرجة.  نهض عبد الساتر. نظر حوله. الغريب في الأمر أنّ أحدا لم تستوقفه الحادثة. لم يلحظ إلا تلك الشفاه التي تمتد بقرف كلما نظرت اليه ...

سقطت أحلامه قبل جسده ضاعت وسط الكعوب العالية التي تطرق سواد الإسفلت وضاعت على جلود الأحذية السوداء اللامعة

قرر عبد الساتر أن يلملم أحلامه وأطياف نسائه الراقصات ويدفنها في أول حفرة ويتمتع بميزة الحيوان الذي أحسّه يتحرك في داخله. أرى عبد الساتر أحيانا وهو يكتشف أذنيه من جديد بيديه صاعدا هابطا عليهما .حتى إنّ بعض سكان الحي تقدموا للمخفر بشكوى سماع نهيق مجهول المصدركل يوم ليلا .

 

 

 

(131)    هل أعجبتك المقالة (135)

هيثم

2007-09-11

لا استغرب ان ارى في القريب العاجل مجموعة قصصية جديدة اولها هذه القصة معالجة جريئة وقلم فعلا مختلف تنقل كل التفاصيل التي ربما غيبها لنا انشغالنا وعملنا وجهلنا لما حولنا .


روز نخلة

2007-09-11

أنت تطرقت الى شريحة صغيرة جدا من مجتمعنا وتناولتها بجدية وجرأة وهذه الشريحة التافهة أصبحت مع مرور الوقت بتفكيرها المتدني وأعمالها المتدنية لاتقل عن كونها ( مثل الجحش) مع أننا شاهدنا كثيرا من هذه الشريحة في عدة مقاهي ومطاعم لكن مازالت بنظرنا تافهة ولا تستحق حتى التكلم عنها ولا حتى فك عقدها وشرح مكنوناتها فبقيت كما هي ... شكرا لك مرهف مينو ... لتطرقك هذا الموضوع وشرحه بشكل واضح ومفهوم ، خاصة أنك بهذه الطريقة من الشرح بينت أحلام هذه الفئة المسكينة الفقيرة .... الفقيرة ليس فقط ماديا ... الفقيرة بعواطفها ... الفقيرة بأحاسيسها ... الفقيرة وبشدة بأحلامها ، هذا ما استطاع أن يحلم به عبد الستار ... اذ لا يحق له بأكثر من ذلك حلم..


عاصم جمول

2007-09-12

أسلوب جميل تمتاز به عزيزي مرهف , لا أستطيع التوقف عن انتظار جديدك شكرا لك.


الى روز

2007-09-12

التعليق قاسي جدا روز ربما اشباه الرجال والتي تكلمت عنهم القصة من خلال طرح النموذج عبد الساتر هم فعلا منبوذين من الجميع ولا يلقي احدا بالا اليهم ولكن هنا الحالة انسانية وهي ضعف الضيعف وازدياد ضعفه واحساسه بالعدم او عدم احساس احد به انا تعاطفت فعلا مع عبد الساتر بالرغم من دناءة افكاره .... نتساءل هنا من اوصل عبد الساتر للمرحلة تلك من ايقظ كل تلك الخيالات المتعبة والفاضحة اليس من حقه ان يمتلك امرأة طبعا القضية هي ليست امرأة طبعا او بصبصة عبد الساتر المكشوفة بل الوهن والضعف الذي اصاب الجميع امام المارد شكرا لك وتقبلي كلماتي .


عبدو

2007-09-12

الاقتراب من الواقعية هو الحقيقة ... و الاحتراق بحقيقتها هو الواقع .


الى مصطفى السيد

2007-09-13

من روز نخلة ((شكرا لك مرهف مينو ... لتطرقك هذا الموضوع وشرحه بشكل واضح ومفهوم ، خاصة أنك بهذه الطريقة من الشرح بينت أحلام هذه الفئة المسكينة الفقيرة .... الفقيرة ليس فقط ماديا ... الفقيرة بعواطفها ... الفقيرة بأحاسيسها ... الفقيرة وبشدة بأحلامها ، هذا ما استطاع أن يحلم به عبد الستار ... اذ لا يحق له بأكثر من ذلك حلم. )) أشكرك مصطفى السيد وطبعا تقبلت كلامك .. لكن !!! ربما أنت لم تعرف أنا ما قصدت بهذا الرد أنظر أعلاه بالعبارة المنسوخة وخاصة الى جملة ( بينت أحلام هذه الفئة المسكينة الفقيرة ) وعبارة الفقيرة بأحاسيسها وعبارة (هذا ما استطاع أن يحلم به عبد الستار إذ لا يحق له لفقره بكل شئ من الحلم)هنا أتعجب!!! المسكين مع كل فقره بكل شئ ألا يحق له أن يحلم ؟؟ هذا ما قصدته وشكرا لك..


التعليقات (6)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي