يقود الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وحتى قبل دخول قواته إلى سوريا نشاطا دبلوماسيا محموما في محاولة منه لتعويم النظام وإعادة صياغة صورته بطريقة تسمح بعودة تواجده على الساحتين الإقليمية والدولية ويحاول بوتين عبر التمسك بشعار (الحل السياسي) الذي يوافق عليه الجميع عربيا ودوليا أن يمرر عودة نظام الأسد إلى الوضع الذي كان عليه قبل 2011 ومن الطبيعي أن تكون حليفته إيران أول السائرين في ركب هذه المحاولات فبقاء الأسد يؤكد انتصار طهران وضمان سيطرتها على العاصمة العربية الأهم في هذا الوقت.
المجتمع الدولي متفق على مقولة أن الحل في سوريا هو حل سياسي بامتياز، ولكن هذا المجتمع الدولي ذاته مختلف حول طبيعة الحل وكيفية تطبيقه خاصة مع خشية بعض القوى الدولية من وصول القوى الإسلامية إلى سدة الحكم في سوريا لذلك نرى أن بعض الدول تفضّل التريث في التخلص من نظام الأسد في الوقت الحالي، فيما ترى دول أخرى أن الاستعجال في تغيير النظام – عبر حل سياسي- من شأنه أن ينهي المسألة السورية بشكل يرضي جميع الأطراف المتشابكة في الملف السوري.
الخلافات تطال البعد الإقليمي أيضا فحيث يتفق الجميع على الحل السياسي يختلف الجميع أيضا حول البدائل المحتملة والتي قد تنتج عن حل سياسي ينتهي بانتخابات ديمقراطية قد يكون من نتائجها وصول الإسلاميين إلى السلطة على غرار ما حدث في الانتخابات المصرية بعيد الإطاحة بنظام حسني مبارك أو على غرار الانتخابات التونسية التي جاءت بحزب النهضة وقوت من عزيمته وتواجده على الساحة السياسية التونسية ولعل مثال ليبيا ليس ببعيد أيضا، ويبدو أن أطرافا متصارعة ومتعادية إلى أقصى درجة تتفق مع بعضها في التخوف من فوز الإسلاميين في الانتخابات المحتملة، فالعداء السعودي الإيراني ينتهي عند خطر وقوع سوريا بيد الإسلاميين وفقا لوجهة النظر السعودية لذا تحاول الرياض البحث عن حلول من شأنها إبعاد شبح وصول الإسلاميين ممثلين في الأخوان المسلمين إلى سدة الجكم في سوريا .
وترى الرياض أن إنهاء النزاع في سوريا سياسيا بالشكل الذي يضمن بقاء الإخوان خارج السلطة سيكون في صالحها، ومن هنا فإنها تسعى إلى الاستفادة من الديبلوماسية الروسية في الضغط على إيران لتقديم تنازلات في الملف اليمني مقابل المشي في المسعى الروسي الهادف لعودة نظام بشار الأسد إلى الحظيرة العربية أولا وإلى المجتمع الدولي ثانيا، ولكن الرياض تشترط الحصول على انتصار وإن كان وهميا وشكليا في بعض الصراعات مع طهران وخاصة في الملف اليمني، كما أن الرياض باتت في حاجة إلى جهد إقليمي قوي في المنطقة مثل إيران لمواجهة التمدد التركي، وأنا شخصيا لا تخدعني لهجات التصعيد الإعلامي بين طهران والرياض، فما بينهما في السر أقوى بكثير مما يراد له أن يظهر علنا وعبر وسائل الإعلام ذلك أن الظرف الحالي يفرض تقاربا بين الطرفين وأعتقد أن إيران ستقدم تنازلات للرياض مقابل قبولها بالحل السياسي القائم على بقاء الأسد في السلطة وربما المساهمة في إعادة إعمار البلد.
لن يكون الموقف السعودي منفصلا أو بعيدا عن الموقف الأميركي في أي حال ولكن – للتذكير- فإن واشنطن نفسها أعلنت في أكثر من مناسبة أن لا رغبة لديها في تغيير نظام الأسد وأن الهدف من الضغط على سوريا هو تغيير سياسات النظام لا النظام ذاته، كما أن الرياض لديها رغبة جامحة في إنهاء حالة التوتر في المنطقة ووقف التداعيات (السلبية) التي نجمت عن ثورات الربيع العربي والعودة إلى منطق الهدوء والرضوخ السابقين خاصة وأن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أحوج ما يكون إلى الهدوء لترتيب انتقال السلطة إليه بأقل ما يمكن من الخسائر والمغامرة.
في المقابل هناك الموقف التركي – القطري الرافض لحل سياسي يبقي الأسد في السلطة لعلمهما أن الشارع السوري لن يسكت على مثل هذه الحلول بعد كل الجرائم التي ارتكبها النظام ضد الناس والحجر والاقتصاد وبعد دمار البلد إذ من المستحيل أن يقبل السوريون بحلول تفضي إلى بقاء المجرم في سدة الحكم بل أهم لن يرضوا بأقل من محاكمته وأركان حكمه عن كل الفظائع المرتكبة خلال العسر سنوات الفائتة، ما يعني والحالة هذه أن الحل السياسي المقترح من موسكو والمدعوم من بعض القوى الإقليمية لن يحل المشكلة السورية.
هذا الموقف يجد صدى طيبا في بعض الأوساط الأوروبية ودول الاتحاد الأوربي منها ألمانيا وبريطانيا على سبيل المثال.
تلك الخلافات الإقليمية والدولية هي ما يلعب عليها النظام لإطالة عمره في الحكم مستفيدا من كل صغيرة وكبيرة في سبيل تخطي الضغط العالمي والإقليمي.
هذه الخلافات حول الحل السياسي تصعب من الموضوع السوري ومن احتملات حله قريبا خاصة وأنه بات أمام العالم تحديات تبدو أهم بما لا يقاس مع الملف السوري منها مثلا انتشار وباء كورونا ونتائجه الكارثية على الاقتصاد العالمي فتراجع الاهتمام بالملف السوري كثيرا عما كان عليه في السابق، كما أن سخونة الملف الليبي وتصاعد التوتر بين أنقرة والقاهرة وتزايد احتمالات نشوب صراع عسكري بين البلدين على الأراضي الليبية أسمهم بدوره في تنويم الملف السوري ووضعه في غرفة التخدير مؤقتا.
*فؤاد حميرة - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية