أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

عن مصائر النخب السورية.. عبد الرازق دياب*

هل أضاعت النخب السورية دماء الناس من أجل بعض المنابر المؤقتة، والمناصب الصورية التي لا وزن لها على الصعيد السياسي والوطني، وهل استثمرت خلال عشر سنوات من تضحيات ومآسي شعبها في تحسين صورتها الواهية التي لم تتعد المؤتمرات والوعود والتدليس..أم أن الأمر كان أبعد من تلميع الصورة إلى الخديعة والارتهان وجمع المال والحصول على جنسيات بلدان ولائها الحقيقي؟. النخب العسكرية إما تم تحييدها واكتفت بالصمت وسلامة الرأس، ومنهم من قبل بدور القائد للمعارك عبر السكايب كما حدثني صديق عن أحدهم، وآخرون قرروا أن ينضموا إلى جحافل المحللين العسكريين الذين يجتهدون بالدفاع عن وجهة نظر من يدفع ويأمر، وأما قادة الصف الأول فهم يظهرون في المناسبات والمؤتمرات حسب الأوامر، ويوقعّون بيانات التنديد والتعيين وسواها من بروتوكولات الفراغ.

النخب السياسية وهي مجموعة الأجسام المعارضة التي توزعت جغرافياً حسب الولاءات التي اعتقدت أنها ستقودها إلى كرسي سوريا المفخخ، وهذه ارتكبت من الحماقات ما يندى لها الجبين، وما أدى في نفس الوقت إلى كوارث تقسيمية وتنازلات عن جوهر ثورة السوريين، وعززت هزيمة تطلعاتهم فيما كانوا يدفعون على الأرض دمهم وتشردهم واغترابهم، وأظهرت وجه ثورتهم خواءً بلا رأس وهدف، وإنما شخصيات تهرع إلى العواصم مطأطئة وخانعة.

النخب المثقفة لم تترك لنفسها هامشاً للتميّز، ودخلت في معمعة التلوث بل أنها حظيت بالقسط الأكبر منه، وانقسمت أبواقاً لكل الأطراف المتصارعة على تراب الوطن، ووقفت على حياد المتفرج مع قضاياها، وإن اقتربت فضمن أجندة الآخرين.

المثقفون على اختلاف انتماءاتهم ومنابرهم دخلوا الصراع في استحواذ التمويلات التي كان من المفترض أن تؤسس لمجتمعات السوريين ما بعد الثورة، وأن تكون أنموذجاً في الوطن الجديد المتعدد، ولكنها دخلت في جيوب من قدموا تلك المشاريع، ورموا الفتات للمتعاونين وفتات الفتات لمن أجلهم وباسمهم قامت تلك المشاريع.

إعلاميون بنوا دكاكين على قدّهم، وهؤلاء استثمروا في الناشطين وباعوهم لمن يقتل، وبعضها صار دكاناً عائلياً فيه الأخ والزوجة واخوة الزوجة، وأما البقية فهم من جماعة (على باب الله) الذين يقبضون ثمن طعامهم وشرابهم وإيجار ما يسكنون، وأما عن المهنة والوطن فلم تكن سوى مفردات للسوشيال ميديا، والاستهلاك اليومي في النقاشات والحوارات الساخنة التي يعودون بعدها إلى بيوتهم كي يشعروا بالرضا والغثيان.

المحترفون منهم وجدوا أنفسهم إما منبوذين أو بأدوار استشارية، وهؤلاء منهم من حظي بسعادة المكانة والمال، وآخرين على الهامش لم يعد لديهم عمل يقتاتون منه، والجميع بات يدرك بأنه غير فاعل في شأنه، وإنما فُرض عليه أن يكون واجهة لما لا يريد، وأما القلة فوجدت خلاصها من ماضيها المتعثر بفجاجة الراهن الذي قد لا يدوم فقررت استثماره ولتكن النتائج ما تكون.

النخب عاجزة اليوم في أن تعود كما كانت 2011 عندما كان صوتها من أجل حريتها قبل أن يلوثها المال والسلطة الموعودة وحرب الولاءات..أما نخب الطرف الآخر فهؤلاء لهم باب واحد يدلفون منه وإليه...العمى الكبير والبسطار.

*من كتاب "زمان الوصل"
(218)    هل أعجبتك المقالة (207)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي