أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

التقسيم من جديد.. فؤاد عبد العزيز*

التقيت بطبيب من الغوطة الشرقية قبل أيام، قال بأنه كان من أواخر من التقوا بـ"زهران علوش"، قائد ما كان يسمى جيش الإسلام، وذلك قبيل اغتياله في نهاية العام 2015، وكان قبلها عائدا من رحلة خارجية سرية، قادته إلى تركيا والسعودية والأردن.

يقول هذا الطبيب، إن زهران عاد من تلك الرحلة، شخصا مختلفا، ويحمل أفكارا غريبة ومتشائمة، ولدى الاستفسار منه عن سر هذا التغيير، أجاب بأنه التقى خلال زيارته إلى اسطنبول وعمان، دبلوماسيين غربيين وسفراء الدول العظمى، الذين أخبروه بأن سوريا ذاهبة في النهاية نحو التقسيم، وأن عليهم كمعارضة قبول هذا الأمر الآن، وتوفير الزمن والجهد والمعارك.

ويتابع هذا الطبيب، أن زهران أطلعهم على مشروع التقسيم الذي أنجزته الدول الكبرى، وهو يتضمن إنشاء دويلات دينية وعرقية، مثل الدولة الدرزية التي تضم أجزاء من الجنوب السوري وصولا إلى لبنان، والدولة العلوية التي تضم المنطقة الساحلية وأجزاء من دمشق وحمص وحماة بالإضافة إلى أجزاء من الشمال اللبناني، ثم الدولة السنية وعاصمتها حلب، والدولة الكردية في المنطقة الشمالية الشرقية من سوريا.

طبعا مشروع التقسيم في سوريا ولبنان وحتى الأردن، ليس حديثا، وإنما هو مشروع كانت قد وضعته المخابرات البريطانية في الخمسينيات من القرن الماضي، ثم تبنته أمريكا في نهاية السبعينيات، ولاتزال خرائطه البريطانية موجودة حتى اليوم في وزارة الدفاع الأمريكية (بنتاغون)، وقد شاهدها الكثير من السياسيين العرب، وكتبوا عنها في فترة مبكرة من الثمانينيات من القرن الماضي.. إلا أن المسؤولين الأمريكيين كانوا بخبرونهم، بأنه هذه مجرد خرائط مستقبلية لا علاقة لها بالواقع، بحسب ما روى قبل عقود، السياسي اللبناني ريمون إده.

شخصيا، اطلعت على خريطة أمريكية في العام 2012، لدى وجودي في الأردن، وهي شبيهة كثيرا بما تحدث عنه زهران علوش، وهي تتضمن تقسيم سوريا ولبنان معا، بالإضافة إلى ذلك، فإنك إذا خلوت بأحد المسؤولين السابقين الكبار في المعارضة، فإنهم سوف يحدثونك عن أن سفراء الدول الكبرى تحدثوا معهم عن مشروع التقسيم الفيدرالي لسوريا، في فترة مبكرة من العام 2012، وحاولوا استمزاج آرائهم، إلا أنهم بحسب ما يقولون، فإنهم رفضوا الفكرة إطلاقا، وأخبروا هؤلاء السفراء بأن "يخيطوا بغير هذه المسلة".. وهم يعتبرون، أي المعارضين، أن مشروع التقسيم الذي جرى عرضه عليهم، سخيف ولا يستحق التعليق عليه، لهذا لم يخرجوا للعلن من أجل فضحه والتحذير منه.

أما اليوم، فلو نظرت إلى خريطة سوريا، ومتابعة ما يحدث في لبنان، فسوف تجد بسهولة، أن التقسيم قد بدأ يتشكل، وبحسب ما تم وضعه في أدبيات المخابرات البريطانية، وخرائطه الموجودة في أمريكا، وأن المسافة للوصول إلى الشكل النهائي لهذا التقسيم، لم تعد طويلة، وأغلبها يتعلق في لبنان، والذي يعاني من تفتت في بنيته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وليس ببعيد أن يعلن هذا البلد انهياره، وبدفع من الدول الكبرى ذاتها.

وعن الموقف الروسي من هذا التقسيم، هناك رأيان في المعارضة: الأول يقول إن روسيا متآمرة مع الغرب لإنجاز هذا المشروع، والثاني يقول بأن روسيا هي الوحيدة التي ترفضه وتحاول الحفاظ على وحدة سوريا، لكن ما هو مؤكد أن نظام الأسد كان أول من وضع الخطوط العريضة لهذا التقسيم، وذلك عندما دفع أهالي المناطق التي ثارت عليه، للهرب إلى خارج سوريا، محدثا بذلك فراغا ديموغرافيا، يتوافق مع الرؤى الغربية، بإحداث دويلات دينية وعرقية. ولعل الاتفاق العسكري الشامل الذي وقعه النظام مع إيران قبل أيام، يتضمن الإشارة، إلى أنه يستعين بإيران لحماية دولته الطائفية، بينما تتولى روسيا، وباقي الدول الكبرى، مسؤولية تنظيم الوضع في باقي المناطق، التي عادت لحضن النظام، لكنها لا تخضع لسيطرته الكاملة..كـ"درعا" على وجه الخصوص، والتي بدأت تتشكل فيها نواة عسكرية، مستقلة عن إرادة النظام. وليس ببعيد، سوف نشهد مثل هذه النواة، في حلب وفي بعض المناطق، التي لا تخضع لسيطرة النظام، سوى شكليا، أما المنطقة الشمالية الشرقية من سوريا، والتي تخضع لسيطرة "قسد"، وتشكل أكثر من 30 بالمئة من مساحة البلد، فهي المنطقة الوحيدة التي أخذت شكلها النهائي، ولم يعد بالإمكان إعادتها إلى سوريا، إلا باتفاق يمنح سلطات الأمر الواقع هناك، حكما ذاتيا كاملا، وعلى غرار ما هو معمول به في كردستان العراق.

هذا يقودنا للقول، بأن سوريا التي نعرفها، لن تعود كما كانت، إلا بتكاتف جهود الجميع، معارضة وموالاة، وكل القوى الوطنية الموجودة على الأرض، مع وجود إرادة عربية كاملة لوقف مثل هذه المشاريع..لكن هيهات أن يتكاتف هؤلاء، بينما كلهم أصبحوا ينظرون كـ"الأسود"، ويقومون بكل الأفعال التي تغضب وجه الأوطان.

*من كتاب "زمان الوصل"
(381)    هل أعجبتك المقالة (374)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي