أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

وطن بـ 100 دولار*

منذ أن وصل البعث إلى السلطة بكذبة إعادة الحقوق للطبقات المسحوقة من فلاحين وعمال وصغار كسبة، وهو يقدمها على طبق كقربان على مذبح الكرسي الأوحد للزعيم وعصابته من العسكر الذين قادوا البلاد لخرابها الحالي، وبقي الكرسي بحراسه الجدد من محتلين ملوني المنبت والجنسية. طوال خمسين عاماً من الكذب باسم الجماهير تم خلالها وضع ثروة البلاد في يد حفنة من اللصوص ومحدثي النعمة الذين شكلوا طبقة فائضة الثروة والقتل، وعملت أبواق النظام على تكديس السوريين كالخراف في منظمات جوفاء بقيادات انتهازية من بين ظهرانيهم، وتعمقت الشروخ الاجتماعية والمذهبية والعرقية، وتشكلت طبقة من الفقراء الذين هبطوا من الطبقة الوسطى التي كانت عماد التغييرات العميقة في الدولة والمجتمع، وتم انتقاء ضعاف النفوس من المثقفين الطارئين الأنصاف، وهكذا صار بإمكانك أن ترى شاعراً وصحفياً ومذيعاً وروائياً يحمل مسدساً بحجة الدفاع عن الوطن ضد حثالات الفقراء من أبناء جلدته.

تهشمت الثقافة والصحافة، وانقرض المسرح السوري العريق على مهل بينما كان بناء الأوبرا يمتد لعقود من البناء في جوار قيادة الأركان، وتكومت كتب اتحاد الكتاب في المخازن من طبقة الكتاب المصفقين ومن ثم تم بيعها بالقروش أو توزيعها بالمجان على من لا يقرأ.

البعثيون كانوا أول من حابوا البرجوازية السورية الناعمة، وعقدوا معها الشراكات، وصار المال مقابل الحماية، ومن ثم صنعوا فيما بعد برجوازيتهم العسكرية والمدنية القادمة من الخلف ومن عمق الفكرة الحاقدة على المدينة وأهلها، وطردوا ساكنيها إلى الضواحي ثم الأرياف، واستقدموا الموالين الذين شكلوا جيش الوحوش الذي نشر الخراب وأغاني الكراجات.

ولكي تتحقق شروط السيطرة المطلقة كان لا بد من صناعة طبقة الدعاة والمشايخ وانتقائها جيداً من المرموقين والمنتفعين بآن واحد، وبدأت حفلات المدح والتبجيل للسيد الأول ومقامه العالي، وأحيط بسور من العصمة والتصديق، وضاقت خيارات السوريين بين سلطتين العمامة والبسطار.

بعد كل هذا الخراب والقمع وانعدام الخيارات نزف السوريون فقراً ودماً، وتكدست أجساد المعتقلين حتى الهامسين سراً عن الظلم، وارتفقع لعقود شعارات الصمود والتصدي والتوازن الاستراتيجي المدفوعة من جيوبهم، وخاضوا حروب الوهم دون طائل سوى الهزائم وضياع الأرض بصفقات سرية مع الأعداء العلنيين.

ثم جاءت لحظة الخراب الكلي مع أول تهديد حقيقي للكذبة البعثية، واستنفر البعث كافة أذرعه الضاربة التي أعدّلها عقوداً من قتلة ومأجورين وحلفاء وأعداء، وبدأت موجة الموت والهجرة والاعتقال، وعبث الأشقاء والأصدقاء حتى باتت سوريا ملفاً تتقاذفه وزارات الخارجية الإقليمية والعالمية.

بقي البعث على قمة الخراب التي يحكمها بدعم من قوى الشر، وتحول السوريون إلى دون خط الفقر، وباتوا رهائن العزلة والقتل والفقر، ومع ذلك بات على من يود العودة إلى قاع الخراب ان يدفع الإتاوة لنظام خالي الخزينة والقوة، وأما من خرجوا عليهم فما زالوا يدفعون أثمان الصراعات والدسائس وانتهازية بعض قياداتهم، وملفات العالم الذي حوّل بلادهم إلى ساحة حرب مفتوحة الاحتمالات.

*عبد الرزاق دياب - من كتاب "زمان الوصل"
(225)    هل أعجبتك المقالة (195)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي