طلبت الناجية عدم نشر صورتها...
مع بدء شرارة المظاهرات الشعبية التي خرجت في بداية الثورة السورية في منتصف آذار/ مارس/2011، بدأت أجهزة النظام باتباع وسائلها الوحشية في سبيل إسكات صوت الثورة وإخماد نارها، فدأبت على شن عمليات اعتقال عشوائية طالت الآلاف من المدنيين، واقتيادهم إلى السجون وأفرع أجهزة الأمن، خلف قضبان الظلم واللارحمة، ومورست بحقهم أبشع طرق التعذيب الجسدية والنفسية، ولم تفرق بين طفل صغير وامرأة ضعيفة، وشيخ كهل.
"رزان المحمد" من مدينة حلب، شاهدة كالكثير من النساء على سجون النظام، تروي في شهادتها لـ"زمان الوصل" تفاصيل قصتها ومعاناتها داخل أقبية سجون النظام، لفترة كانت من أقسى مراحل عمرها.
في شهادتها لـ"زمان الوصل" تقول "رزان المحمد": "أنا من مواليد عام 1983، ولدت وترعرعت في دولة الإمارات، حيث كان يعيش أهلي هناك، لكن بالأصل أنا من حي "باب الحديد" في مدينة حلب، انتقلت في العام 1994 إلى اليمن وبالتحديد إلى العاصمة صنعاء، درست مرحلة الجامعة وتخرجت من جامعة صنعاء، قسم اللغة العربية، وبعد تخرجي من الجامعة تزوجت من ابن عمتي في اليمن وذلك بتاريخ عام 2001، بقيت أنا وزوجي في اليمن حتى عام 2006، وخلال هذه الفترة أنجبت 2 من أولادي وهم هند وحسين، ثم عدت برفقة زوجي إلى سوريا، وفي العام 2009، أنجبت الطفل الثالث محمد.
وتتابع "رزان": "بعد إنجاب الطفل الثالث وفي العام 2010 أي قبل انطلاق أحداث الثورة السورية، عملت كمدرسة خصوصية لعدد كبير من الطلاب الذين أصبحوا الآن في الجامعات وبعضهم قد أنهى دراسته، كانت أحوالنا المعيشية محدودة، لذلك اخترت العمل لمساندة زوجي في تحمل أعباء المعيشة وسداد إيجار المنزل الذي كنا نسكنه في "الحمدانية" في تلك الفترة التي سبقت انطلاق الثورة السورية".
"رزان" تضيف "عام 2011 ومع اندلاع أحداث الثورة، اخترت المشاركة فيها وتكريس كل طاقتي ووقتي لصالحها، كان حبي وشغفي لنيل الحرية وأن نعيش كأي شعب من شعوب الأرض لا أكثر، دون سطوة الحكم الأسدي، دائما ما يدفعني للاستمرار في هذه الثورة التي خرجت بشكل سلمي، لم يكن العمل بشكل علني في بداية الأمر، وكنت أقتصر على بعض النشاطات مع عدد من الأصدقاء داخل الحي، مثل الكتابة على الجدران وتوزيع المنشورات الثورية في شوارع الحي، ومثلها من التحركات الصغيرة، حتى بدأت رقعة المظاهرات تتسع".
ومع اتساع رقعة المظاهرات وخروجها عن قبضة النظام، بدأت "رزان" بتصعيد نشاطاتها وبشكل منظم أكثر بمشاركة عدد من الناشطين والناشطات، وعن تفاصيل ذلك تقول: "شاركت بتشكيل تنسيقيات الثورة، وبدأنا العمل داخل حي الحمدانية تحت مسمى تنسيقية الثورة في مدينة حلب، عن طريق غرف السكايب نقوم بالترتيب والتجهيز للمظاهرات شاركت في العديد من المظاهرات في حي الحمدانية وغيره، وتصادمنا مع قوات الأمن عدة مرات، لا يمكنني وصف وحشية القمع الذي واجهته المظاهرات السلمية والتي بدأت تطالب بالحرية والكرامة وإسقاط النظام، مع كل ذلك لم أتراجع عن نشاطي بل كنت أشعر بقوة أكبر في كل مظاهرة وكل يوم يمر من عمر الثورة، ليس هذا فحسب، بل كانت الصعوبات تمتزج بالفرح والسعادة بعد أن كسرنا قيود العبودية واستطاع الشعب السوري نفض غبار الذل عنه بخروجه بوجه رأس النظام".
وتواصل "رزان" ذكرياتها قائلة "لا زلت أذكر كيف كنا نختار اسم للجمع مثل جمعة الكرامة وجمعة الموت ولا المذلة، ونحضر اللافتات وأعلام الثورة التي سترفع أثناء المظاهرة، والتغطية الإعلامية وغيرها من التجهيزات".
*من سجن الحرس الثوري إلى الأمن السياسي
وتروي المعتقلة السابقة تفاصيل اعتقالها من قبل الأجهزة الأمنية، وما شاهدته وعاينته بنفسها داخل هذه السجون: "قبل حادثة اعتقالي كنت في زيارة لأهلي في تركيا مصطحبة معي طفلتي هند، وبعد عودتي إلى مدينة حلب وصلتني أنباء عن اعتقال عدد من الناشطات من ضمن التنسيقيات الثورية، وقبل وصولي للحي تحدثت مع زوجي وأخبرته عن تخوفي من الدخول إلى منطقة الحمدانية التي كانت تحت سيطرة النظام، بعدها قررت الدخول، فتم اعتقالي على أحد الحواجز الأمنية في محيط حي الراشدين وذلك في تاريخ 23 /9 / 2013، طلبت منهم فقط أن يسمحوا لي بإيصال طفلتي الصغيرة وبالفعل ذهبت بها إلى أختي وتركتها هناك واقتادوني بعد أن وضعوا الكلبشات في يدي، ثم وضعوني في سيارتهم، انطلقت السيارة ولا أعلم إلى أين ستكون الوجهة، وبعد دقائق قاموا بإنزالي في مركز اعتقال يتبع للحرس الثوري الإيراني، بقيت في هذا المركز لمدة 3 أيام، تعرضت خلالها لأنواع عديدة من التعذيب من الضرب والصعق بالكهرباء، كما قاموا بتفتيش حقيبتي وهاتفي النقال، ورفضوا حتى طلبي لهم بأن يخبروا أهلي بمكان اعتقالي، لا يوجد في هذا المركز معتقلون من الشباب أو حتى زنزانة، بل كان عبارة عن غرف منفردة صغيرة".
تكمل "رزان المحمد" حديثها: "بعد قضاء مدة 3 أيام في مركز الحرس الثوري الإيراني، تم نقلي إلى فرع الأمن السياسي، لا زلت أذكر أنهم وضعوني أول 3 أيام في غرفة صغيرة منفردة يوجد فيها جثث متفسخة وتفوح منها رائحة كريهة جداً، بعدها قاموا بإخراج الجثث وبقيت في هذه المنفردة لأكثر من شهر بعدها نقلوني إلى المهجع وهو زنزانة كبيرة للكثير من المعتقلين، وكل يوم والآخر يوجد تحقيق وضرب وتعذيب بشتى أنواع الإجرام، بتهمة التخابر لصالح ما سموهم بالعصابات الإرهابية، فرع الأمن السياسي كان حينها مليئا بالمعتقلين من فئة الشباب وخصوصاً الإناث، حيث كانوا يقومون بتجميع المعتقلين من عدة أفرع إلى الأمن السياسي الذي يعتبر كمفرزة يتم فيه فرز المعتقلين إلى السجون الرئيسية، استمر وجودي داخل فرع الأمن السياسي حتى تاريخ الشهر 4 من العام 2014، وفي تلك الفترة تمكنت فصائل المعارضة من حصار الفرع من الجهة الشرقية".
لم تكن فترة اعتقال "رزان" طويلة مقارنة بغيرها، رغم مضي أكثر من 5 سنوات على إطلاق سراحها، إلا أن الكثير من مشاهد الموت لا تزال عالقة في ذاكرتها، ومن جهة أخرى لا تزال "رزان" تعيش إلى الآن تبعات اعتقالها، فتقول: "في تاريخ 25/4/2014، طلبت للتحقيق للمرة الأخيرة، وفي تلك الأثناء كانت هناك صفقة تبادل أسرى بين (أحرار الشام) وقوات النظام، لم يكن لدي علم أنني سأخرج من الاعتقال، ولم يخبروني بذلك، فبعد التحقيق تم تحويلي رسمياً إلى سجن "عدرا"، وبالفعل وضعوني في شاحنة ركاب برفقة ما يقارب 40 معتقلا ومعتقلة، بعد أن ودعت صديقات تعرفت عليهن في السجن وتشاركنا معاً ألم التعذيب والقهر، بعد وصولنا لمدينة دمشق توجهت الحافلة بي إلى الحدود السورية اللبنانية، وهناك تم إطلاق سراحي، تفاجأت كثيراً بذلك وشعرت وكأن الحياة عادت لي من جيد بعد أن كنت في حضرة الموت".
خرجت "رزان" من سجون النظام الموحشة لترى النور من جديد، وتكمل في شهادتها ما حدث لها بعد خروجها قائلة: "دخلت الأراضي اللبنانية وقمت بالتواصل مع شقيقي في تركيا، الذي بدوره أرسل لي مبلغا من المال، فقد قام عناصر الأمن في السجن بسرقة ما في حقيبتي وهو مبلغ 500 دولار أمريكي وبعض قطع الذهب الخاصة بي، وبعد استلام المبلغ المرسل لي من أخي توجهت إلى مطار الحريري وسافرت إلى تركيا، بعد وصولي مباشرة تركني زوجي الذي كان يتواجد في سوريا، وقام بإرسال أطفالي ليعيشوا معي، ومنذ ذلك الحين وأنا أحاول لملمة جراحي ومتابعة حياتي بعزيمة وقوة، واضعة نصب عيني تربية أطفالي بشكل جيد".
وتضيف: "عملت في عدة مجالات ومهن مثل الخياطة وغيرها، لأتمكن من تحمل أعباء المعيشة هنا في تركيا، بعد أن تركني زوجي، وعجز أهلي على تربية أطفالي وتحمل نفقتهم، أساهم الآن وبعد مرورة 5 أعوام على خروجي من المعتقل، على مساعدة الناجيات أمثالي من سجون النظام، والوقوف إلى جانبهن للتعافي نفسياً واجتماعياً من تبعات فترة الاعتقال".
في ختام شهادتها لـ"زمان الوصل" تقول "رزان المحمد": "كلي أمل الآن أن أعود لوطني سوريا شامخة الرأس بعد أن نتخلص من هذه العصابة الحاكمة، وأن نعيش أحراراً كسائر شعوب العالم، بعيداً عن الظلم والذل والخضوع، وفي النهاية أوجه كلمة لجميع الناجيات من سجون النظام، بأن تتحلى كل واحدة منهن بالشجاعة والقوة، وتتابع حياتها بعزيمة مع كل ما نعانيه من قساوة الحياة".
زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية