أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

عصفورية... د. محمد الأحمد*

وهبي - ارشيف

في ثمانينيات القرن الماضي كان الفنان المرحوم (فيلمون وهبة) مقيماً في دمشق، وكانت جلساته لا تنسى، وقد حكى لنا مرة عن حكاية أغنية (العصفورية) الشهيرة التي مطلعها (ع العصفورية اشترينا وقية يا أمي بياع البندق عينو علي).

وهي التي غنتها صباح.

قال (أبوعماد) فلمون: أوقفت سيارتي لأشتري المكسرات، من بائع كان يجلس وأمامه (البسطة)، أمام مشفى (ابن سينا) في منطقة "حرستا" بدمشق – لمن لا يعلم هو مشفى الأمراض العقلية في دمشق - وحين نزلت من سيارتي، وبدأت أتكلم مع البائع، جاءني شخص وبدأ يتطلع بي بغرابة، وأنا أتساءل ماذا يريد!!؟ فقال لي البياع هامساً: أستاذ هاد هربان من هونيك! وأشار إلى سور المشفى أي (العصفورية)!!

مرت دقيقة وأنا أحاول أن أتجاهله، وأكلم البياع عن الفستق والبندق !!

لكنه فجأة بادرني بالسؤال: أنت شو بتشتغل؟
- أنا مطرب
- مطرب؟؟
-إي نعم
- يعني بتغني
- أي نعم بغني
-إي وأنا بغني
- شي حلو كتير غنيلي تاشوف
- هات ربع ليرة
ومددت يدي إلى جيبي وأعطيته ربع ليرة، وطلبت منه أن يغني فقال:
- على دلعونا وعلى دلعونا ... بدنا نتجوز ما بيخل .... وتوقف عن الغناء ! فصحت به:
- كمل
-خلصت الربع ليرة
وبقيت أضحك منه وعلى حالي من "حرستا" حتى الحدود اللبنانية، وأنا أقول في نفسي، لقد ضحك علي ابن (العصفورية) ! وألفت كلمات الأغنية وأنا في السيارة وأضحك.

****

أما أنا فلقد وجعني قلبي على والدة (محمد صابر) وهي تتبرأ من أفعال ولدها وتقول إن (محمد) لا يصل الرحم ولا يعيلها، وذلك بعد أن قدم نفسه على "يوتيوب" يريد الترشح للرئاسة السورية، وقد بدا وكأنه هارب من(العصفورية) هو أيضاً مع أنه يعيش في السويد !!

إذن خرج (محمد صابر) بعدة تسجيلات يصر فيها على أنه الرئيس القادم برغم أنف من يرضى ولا يرضى، وبإرادة دولية !! وماهي إلا أيام حتى خرج شخص آخر من ألمانيا يقف أمام كاميرا الهاتف ويرشح نفسه أيضاً للرئاسة (ومحدا أحسن من حدا) ! وأنا أجزم أننا سنكون أمام مشهد ترشيحات، وفي الكثير من حالاته سيكون أصحابه من جماعة (العصفورية).

وهنا ليس مهماً أن هؤلاء يرشحون انفسهم أو لا ! بل المهم أن نتساءل من يهرب المرضى من العصفورية ؟!

(محمد صابر) هذا كان يلقب بالنمر في منطقته بمحافظة إدلب، ومن أطلق عليه هذا اللقب، هو الأستاذ جميل الأسد (ما غيرو) الحاج صاحب المليارات (التقي الورع)، ومؤسس ما كانت تعرف بـ(جمعية المرتضى) التي عممها في كل سورية، وكان (محمد صابر) هو مسؤول الجمعية في قريته الإدلبية.

قد يكون هناك ربط فعلي ولا مصادفة فيه يهدف لتهريب أكبر عدد ممكن من مشفى المجانين (العصفورية)، وإعلان ترشحهم لرئاسة الجمهورية، حتى يتحول الأمر إلى مجرد دعابة وهمروجة ضاحكة ساخرة بين السوريين وليس ذلك فقط، بل لكي تظهر السلطة كـ(عاقلة جداً) برغم كل الكارثة الوطنية.

وهنا تظهر أسماء أخرى كـ(سمير متيني)، الإعلامي المقرب من سلطات (قسد) و(عبدالله الحمصي) ذو المجسمات، و( فهد المصري) صديق أولاد العم!!

وهكذا –أيها القارىء الكريم– نجد أنفسنا أمام مشهد سوريالي، نصفه في العصفورية ونصفه الآخر يبدو جدياً وبلا أي مزاح، يقدم شخصيات للرئاسة في بلدنا التي حكمها كرؤساء (شكري القوتلي)، (هاشم الأتاسي)، و(جمال عبدالناصر)، وخسرت (خالد العظم) رئيساً للجمهورية، لكنها ربحته كأهم رئيس للوزراء في تاريخ ما بعد الاستقلال.

ولكن: من أين تأتي هذه السوريالية؟

من أين تأتي هذه العصفورية؟

قد يقول قائل، إنه اليوتيوب السهل المنال وهذا عصر السوشال ميديا! وهاهي الحرية، ولكني بكل مسؤولية المواطن السوري أقول: ليس كل ما ترونه إنتاج الحرية ! بل هو عصر الخداع البصري والذهني، والرسم المخابراتي، وفتح بوابة (العصفورية) فعلاً وقصداً !! وعلينا أن ننتظر الكثير من هذه (الأفلام) قريباً لكي يمارس مسحا للوعي عند البعض، الذي لا أعرف هل سيكون كثيراً أو قليلاً.

إن (الأم) سورية ولادة عظيمة وفيها رجال كبار ونساء ماجدات.

*من كتاب زمان الوصل
(274)    هل أعجبتك المقالة (230)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي