أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

أطيب حبّار في العالم: سليم بركات ومحمود درويش واللَّاتُ وَالْعُزَّى*

درويش وبركات

اصبر عزيزي القارئ، وما صبرك إلا بالله، وستجد أنَّ اللات والعزى هما بطلا هذا المقال.

فزع إليّ صديقي نوري يسألني عن أوار المعركة غير المقصودة التي أشعلها سليم بركات وهو يقدح حجرين يصطلي بهما، أو يجد على النار هدى، وثار نقعها في سماوات فيسبوك الزرقاء، وسألني العون والنجدة في فهم أسبابها القريبة والبعيدة، وهي المرة الأولى التي يحظى فيها مقال له بكل هذا الاهتمام، وانتبه كرد كثيرون لهم قبائل على صفحات فيسبوك وشهيق وزفير وعير ونفير، لا يعرفون سليم بركات، وسأل نوري:
وما الجديد في الأمر؟

فكان رأيي أن الأمر، أمران: هما اللات والعزى، أو هما الشرف الإنساني الذي لا يسلم حتى يراق على جوانبه الدم، والشرف الوطني، وقد ربطا في عقائد الناس ربطاً، وهما غير معقودين في نفسي الشاعرين، فهما لا يحفلان كثيراً بأخلاقنا وتقاليدنا الرجعية، وكنا نقرأ للشاعر الجاهلي عنترة بن شداد، بيته المصمد:
وأَغُضُّ طَرفي ما بَدَت لي جَارَتي
حَتَّى يواري جارَتي مأواها.

فإذا بشاعر القضية الفلسطينية يغير على نساء الجيران وزوجات الأصدقاء، أو أن زوجة الجار شاءت أن تستبضع من جارها الشاعر الفحل ذكرى في رحمها بقلم السلالة، إذا صدق قول الشاعر سليم، وما هو بكاذب.

قرأت عشرات التعليقات على مقال سليم في صفحات متفرقة، فاتخذ حوتي طريقه في البحر سربا، ووجدت قوما لا يكادون يفقهون قولا، بينهم صحافيون وروائيون ووجدت أن أكثرهم يكثرون من أكل السمك الفسيخ والبيض الفاسد.

سليم بركات شحيح بالصور، ويضيق بأنوار آلات صيد البشر وتحنيطهم في صور، ومقالته هي عن صورة وصفاً بالكلمات وهي آلته الكبرى، هذا الحبار الكبير يسبح في محيطات اللغة العربية والكرد يصيحون به مخوّنين، فاتنين ومفتونين: لمَ لا تسبح في بركة قاسمو.

صوره هي نفس الصور التي نعرفها على أغلفة كتبه، أظن أن وباء حل بديار العرب غير وباء الكورونا، هو وباء الخفّة، أرض فيسبوك ليس بها مثاقيل الجاذبية ودهرنا يذكر بقول الشاعر المتنبي:
ودَهْرٌ ناسُهُ ناسٌ صِغارٌ
وإنْ كانتْ لهمْ جُثَثٌ ضِخامُ.
لكن لهؤلاء الناس صفحات ولها عشائر، وللعشائر أنوف ترعد، وخيل ورِكاب.  لقد وضع لهم مارك في طعامهم سمّا.

لا يمكن أن أتم قراءة رواية أجد كاتبها في الصفحة الأولى يقول وعمر السامعين يطول: لقد كان يوما طويلا بامتياز، أو أنها كانت شمسا رائعة بامتياز، أو جملة: لو أسقطنا المسألة الفلانية على المسألة الفلانية لوجدنا كذا، أو أن أجد كاتبها يكثر من استخدام تعبير "بالرغم من" كأن يقول:
إني قصدت بيتها بالرغم من المطر. فيتحول الرغام، والرغام تراب، إلى طين، ثم إني كففت عن قراءة الروايات المعاصرة التي تفوز بجوائز ضاحي خلفان، فهي بضاعة مزجاة، ونزحت إلى كتب التراث، إلا سليم بركات الذي أحرص على قراءته، نثرا وشعرا.

وقد وجدت "دوشة" كبيرة حول مقال سليم بركات لم أجدها لمقالاته السابقة، ودوشة أصلها ضجة، وقرأت عشرات التعليقات، سنعرض عن أقوال السفهاء ونقول لهم سلاما، ووجدت تعليقات بعض الأدباء أشد سفاهة من تعليقات محدثي نعمة الرأي التي حبتهم بها وسائل التواصل فسادوا وأفسدوا، منها سخرية من كاتب له عدة كتب وصف كتابة سليم الذي جهد محمود درويش في النجاة من بأس بيانه الساحر وسلطانه بالهذيان، واهتم آخرون بالفضيحة، وزعم زاعم أن فحولة درويش هي في بطون الكلمات وليس في أرحام النساء.

وباركت شاعرة بجمل فيها وهن، وهدنة على دخن، مرتفعة الحرارة، مقال بركات، وتمنت وقد عضت عليها عاطفة الأمومة بالنواجذ، أن تكون هي أم ابنة الشاعر، وقال آخر إن سليم يسعى للشهرة، واتصل بي صديق سوري كاتب له عدة كتب، يسأل عن سليم، فهو لا يعرفه، فوصيته بالوالدين إحسانا وبقراءة فقهاء الظلام، وهي صنو رواية موسم الهجرة إلى الشمال العربية، لدى الكرد، أو لدي، وإن الكرد يهاجرون إلى جهة أخرى مذكورة في الرواية، طريقها مسدود.

والمصريون عموما لا يعرفون سوى أدباء مصر، ووجدت آراء عجيبة لدى كتّاب نابهين، لهم عقل وحكمة، واستشاط ناشطون كرد غضبا وهاجوا هياج ذكور الإوز، عندما علموا من هوامش مناشير فيسبوك أن سليم كان مناضلا في الجبهة الفلسطينية، وليس في الجبهة الكردية، ولم تكن جبهات كردية وقتها، أو أنها كانت جبهة تقليدية، وليس في الجبهة العبرية التي تشد إليها الرحال هذه الأيام، وصاحوا ونخروا وحاصوا حيصة حمر الوحش: الخائن، فليكتب بالكردية لغة أبيه وأمه.

ووصمه كاتب كردي "متكردش" في شقوق أظلاف حزب كردي بأنّه "عربوشك" ومتعربش بالعربية، ونعى صحافي لامع صحيفة القدس العربي، ثم وجدت الكاتب معن البياري يسأل وقد فتح بركات قلعة شهيته بمقاله عن الصبيدج المقلي، فقال له صديق له، على صفحته، حلق شعره على شاكلة شعر آينشتاين: لا بد أنك تسخر؟ ولم يكن يسخر. ثم إن معن البياري، قال في منشور: إنه شبع  وجدا وطربا من بديع جملة "جَمَعَنا عشاءٌ من حَبَّارٍ ـ صَبِّيدجٍ مقليٍّ دوائرَ كالأفلاك لُتَّتْ ببَيْضٍ وطحينٍ"، ولو لم يكتب غيرها لكفته، وإن من البيان لسحرا، ولم تكن جملتي المفضلة في نصه، ولو سألت لعجزت وتهت، فله في كل سطر راية، وفي جملة قمر وغاية، وقلعة وولاية، وبرهان وآية.

وذكرني فعل لَتَّ الذي أعجب به الكاتب معن، "باللتِّ والعجن" وهما فعلان متآخيان في النار، وهو قول شائع، من ناس لا يعرفون البارون الكردي، وذكرني الفعل والدهر ينسي، بقصة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، وعني معه، وهو يسهر على الرعية، فرأى صبية يتضاغون من الجوع، فأحضر دقيقا وسمنا وأقطا، وعرض عليه غلامه أسلم، لله رب العالمين، أن يحمل عنه، فرفض عمر والقصة معروفة، وراح ينفخ على النار ويساعد العجوز في الطبخ، ويلتّ معها الدقيق بالسمن.

جاء في لسان العرب:
واللُّتَاتُ: مَا لُتَّ بِهِ. اللَّيْثُ: اللَّتُّ بَلُّ السَّوِيق، والبَسُّ أَشَدُّ مِنْهُ. يُقَالُ: لَتَّ السَّوِيقَ أَي بَلَّه، ولَتَّ الشيءَ يلُتُّهُ إِذا شَدَّه وأَوثَقَه؛ وَقَدْ لُتَّ فلَانٌ بفلانٍ إِذا لُزَّ بِهِ وقُرِنَ مَعَهُ. واللَّاتُّ، فِيمَا زَعَمَ قومٌ مِنْ أَهل اللُّغَةِ: صَخْرَةٌ كَانَ عِنْدَهَا رجلٌ يَلُتُّ السَّويقَ للحاجِّ، فَلَمَّا مَاتَ، عُبِدَتْ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَا أَدري مَا صِحَّةُ ذَلِكَ، وسيأْتي ذِكْرُ اللَّاتِ، بِالتَّخْفِيفِ، فِي مَوْضِعِهِ. اللَّيْثُ: اللَّتُّ الفِعْلُ مِنَ اللُّتاتِ، وكلُّ شَيْءٍ يُلَتُّ بِهِ سَوِيقٌ أَو غَيْرُهُ، نَحْوُ السَّمْن ودُهْنِ الأَلْيَةِ. والسويق الدقيق. والدقيق الطحين.

فتوح الشام ومشافر البعير:
أمر ابنة محمود درويش لا يعنيني، هو ليس أكثر من خبر طريف، قد يسعد به حزب راكاح، الذي انضوى فيه محمود درويش يوما والماء فوق ظهور العيس محمول، وسأتبع أثر خالد بن الوليد في فتوح الشام، وقد أمره أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وعني معه، بالتوجه إلى الشام، فاجتاز خالدٌ مع قوَّاته المفازة القاحلة بمعاونة الدليل رافع بن عميرة الطائي، فكان يسير في الليل مهتدياً بكوكب الصبح ويستريح في النهار، ولتأمين الماء للحملة خصَّص خالد -بناءً على اقتراح رافع- عدداً من الإبل السمان، فأعطشها أيَّاماً ثُمَّ أوردها الماء حتى امتلأت أجوافها، ثُمَّ قطع مشافرها حتى لا تجتر، فكان كلَّما نزل مكاناً للراحة نحر عشراً من الإبل، ثُمَّ شقُّ بطونها وأخذ ما فيها من الماء فروي الخيل منه، وأطعم أفراد الجيش من لحومها، وأروى هؤلاء ممَّا حملوا من الماء على ظهور الإبل.

قلت لنوري:
ثم إني عطشت من تعليقات السفهاء، وأشرفت على الهلاك فوجدت عين ماء ضحضاح، وأنجاني الله ببيتين من شعر امرئ القيس:
بَيْنَا أنا بِآخِرِ رَمَقٍ إِذَا رَاكِبٌ مُقْبِلٌ عَلَى بَعِيرٍ مُتَلَثِّمٌ بِعِمَامَةٍ، فأَنْشَأَ يَقُولُ:
وَلَمَّا رَأَتْ أَنَّ الشَّرِيعَةَ هَمُّهَا
وَأَنَّ الْبَيَاضَ مِنْ فَرَائِصِهَا دَامِي
تَيَمَّمَتِ الْعَيْنَ الَّتِي عِنْدَ ضَارِجٍ
يَفِيءُ عَلَيْهَا الظِّلُّ عَرْمَضُهَا طَامِي
فَقَالَ الرَّاكِبُ: مَنْ يَقُولُ هَذَا الشِّعْرَ؟
وَقَدْ رَأَى مَا بِنَا مِنَ الْجَهْد.

فَقُلْت: امْرُؤُ الْقَيْسِ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا كَذَبَ امْرُؤُ الْقَيْسِ، وَإِنَّ هَذَا الضَّارِجَ عِنْدَكُمْ فَنَظَرْت فَإِذَا بَيْنَي وَبَيْنَهُ نَحْوٌ مِنْ خَمْسِينَ ذِرَاعاً فَحَبَوْت إِلَيْهِ عَلَى الرُّكَبِ فَإِذَا هُوَ كَمَا وَصَفَ عَلَى الْعَرْمَضِ يَفِيءُ عَلَيْهِ الظِّلُّ.

ووجدت أن محاور سليم بركات في كتاب: "لوعة كالرياضيات وحنين كالهندسة" مأخوذ بأسلوبه، حتى إنك لتخلط خالداً بأبي عبيدة، فهو يلت بأسلوبه الحروف بالحبر، ويبسّه بساً، وسليم يعفو، ويعرض عن ذكر هذا السطو على صوته، آية ذلك أنه لم ينكر على محاوره اختلاسه أسلوبه في حواره معه.

تواقيع بأقلام السلالة:
وذكرت الأخبار أن مليون دولار هو المبلغ الذي عرضه متحف "بيروتيك هيريتاج" الأمريكي على مونيكا لوينسكي مقابل شراء فستانها الأزرق المعروض بجانب أحافير الديناصورات، فعليه توقيع كلينتون بقلم السلالة، وما أثار لوعتي، وجعل حنيني معادلة عقدية، يصعب حلها في سلاسل فورييه، وعلوم المصفوفات، هو أمران: أن محمود درويش أبتر، وأن سليم بركات يتيم، وفي ذلك قوله:
"أدْمَعَ عينيَّ اعترافاً منه بوجودي في وجوده شاعراً وصديقاً"، وقول سليم: "كتبتُ "رباعياته" الأولى على ظهور أغلفة كتبي المدرسية، من غير أن يخطر لي أن هذا الشاعرَ البَذْخَ في اجتماع المصادفةِ على انتخابه قضيَّةً" وقوله: بلغه وزيرٌ، ومستشارةٌ، (وقد عرفناها) أنني "على الرَّحب" إن عدتُ إلى بلدٍ خرجتُ منه منذ نهاية العام 1971 ولم أعُد إليه إلاَّ بقدمَيْ حنيني الحافيتين. ولو صدق سليم بركات الوزير وعاد، لكان الآن جنديا في الحرب، أو مات بالسكتة القلبية تحت التعذيب.

نعود إلى لسان العرب:
قَالَ مجاهد: كَانَ رجلٌ يَلُتُّ السويقَ لَهُمْ، وقرأَ: أَفرأَيتم اللَّاتَّ والعُزَّى؟ بِالتَّشْدِيدِ.
قَالَ الْفَرَّاءُ: وَالْقِرَاءَةُ اللَّاتَ، بِتَخْفِيفِ التَّاءِ، قَالَ: وأَصلُه اللاتَّ، بِالتَّشْدِيدِ، لأَن الصَّنَمَ إِنما سُمِّيَ بَاسِمِ اللَّاتِّ الَّذِي كَانَ يَلُتُّ عِنْدَ هَذِهِ الأَصنام لَهَا السويقَ أَي يَخْلِطُه، فَخُفِّفَ وَجُعِلَ اسْماً لِلصَّنَمِ.

يمكن أن أشير إلى جمال مقال سليم الملتوت بمقادير موزونة من الحروف والمعاني حتى يمكن أنه يغنَّى، من جملته الأولى:
"البياضُ رائقٌ، راضٍ عن حظوظه".

وسأعفو عن كثير، وأمضي حافيا إلى كلام لا بيان فيه، ولا بديع، هو قول سليم بركات على لسان الصحافي: هيا إلى صورة.
نحن نقول في كلامنا المعلوك، الذي تعاورته الرياح والأغبرة في أسواق السكند هاند والفلو ماركت: تعال نلتقط صورة، أو لنأخذ صورة، أما تعبير سليم فهو: هيا إلى صورة.

وكأنَّ الصورة معركة أو مهلكة.
برز لي نوري قائلا:
فهمت من كل هذا اللتّ والعجن، أن القد س ليست مثل كركوك، وأنَّ سليم يبحث ببراثن حنينه عن أخته المفقودة.

*من كتاب "زمان الوصل"
(256)    هل أعجبتك المقالة (258)

انس

2020-06-16

مع كل الاحترام الا انني اود ان احيلك الى بعض ابيات قالها فيلسوف الشعر العربي الحديث و اقصد محمود درويش الذي تنتفون ريشه هذه الايام, عسى و لعل تستخدم اسلوبا اخر في مقالاتك يكون اقرب الى فهم و وعي العامة قصائدنا بلا لون بلا طعم بلا صوت إذا لم تحمل المصباح من بيت إلى بيت و إن لم يفهم البسطا معانيها فأولى أن نذريها و نخلد نحن للصمت.


دندن

2020-06-27

وين الرقص ووين الطبل.


التعليقات (2)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي