عشر سنوات، ظل المواطن السوري محاولاً الصمود، ليس ذلك الصمود المسرحي الذي تحدثت عنه شمطاء السياسية السورية بثينة شعبان، بل صمود فعلي في حربه على جبهة لقمة العيش، وجبهة الخوف... الخوف من الموت، الخوف من الخطف، الخوف من التشرد والنزوح، الخوف من ذل الفقر، الخوف من الاعتقال، في معتقلاتٍ الداخل إليها مفقود والخارج منها مولود.
عانت سوريا من حرب طويلة أكلت كل شيء، الأمان، فرص العمل، القرش الأبيض، الذي كان قليلٌ من السوريين يستطيعون تحييده ليوم أسود لم يعتقدوا أبداً أن يكون أسودَ إلى هذه الدرجة.
بات ثلث السكان لاجئا، وثلث آخر نازح داخليًا، في ظل معدلات فقر تتضخم يوماً بعد آخر، هذا كله قبل أن تهوي الليرة السورية إلى حد غير مسبوق في تاريخ البلاد، ما وضع الشعب "الصامد فعلياً" في أرضه وجهاً لوجه أمام مجاعة شبه محتمة الحدوث.
يبلغ دخل الصامد الواحد ما يقارب 30 دولاراً أمريكياً في الشهر، ويبلغ المصروف اليومي لابن أي مسؤول صامد في كرسيه -في المدرسة الابتدائية- ذات المبلغ يومياً، فيكافح المواطن جاهداً، ليبقى على قيد الأمل بأن تكفيه هذه الثلاثين دولاراً كي لا يموت وأسرته من الجوع، خاصة مع موجة غلاء لا يمكن لسوريٍ عادي أن يستطيع مجاراتها.
ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 133٪ منذ أيار/مايو الماضي/2019، ووصل الدولار إلى أربعة آلاف ليرة سورية، بلغ عدد السوريين الذين يعانون انعدام الأمن الغذائي حوالي 9.3 مليون سوري، تحترق المحاصيل، ترتفع نسب البطالة وتنتفي فرص العمل، يصبح المواطن بلا مورد، ولكنه صامدٌ، صامدٌ، صامد.
أعتقد أن بلدنا اليوم وصلت إلى الحافة الأخيرة وباتت على شفا الهاوية، أو النهاية، انهيار تام في مناطق سيطرة النظام، وفَقدٌ كامل للبنى التحتية في المناطق المستعادة لسيطرته، تصدع كامل في المنظومة الطبية والتعليمية، فسادٌ، عشش في السلطة من قمة الهرم إلى قاعدته، حتى الأمن الاجتماعي الذي حافظ عليه الشارع السوري عشر سنوات، بدأ بالاختلال، فخلال سنوات الحرب الطويلة لم تشهد أي منطقة ثائرة أو محررة أي من عمليات تخريب الممتلكات أو السرقة أو النهب التي تشهدها أمريكا أو أي دولة أوروبية بأقل حركة احتجاج تذكر فيها، واقتصرت هذه التصرفات على تعفيش جيش الوطن فقط لأرزاق الناس، لكن اليوم حتى هذه المنظومة بدأت تهتز لترتفع نسبة السرقات والتشليح بالمعنى الحرفي للكلمة.
في شمال البلاد تستبدل الليرة السورية بالليرة التركية لتصبح عملة متداولة يومية تقي المواطن من تذبذبات الدولار وهبوط عملته، وفي دمشق تستبدل الليرة السورية بالمُقل.
في مواجهة الفقر ومن أجل الصمود المطلوب، تأتي الأخبار من دمشق وطرطوس واللاذقية ومختلف المناطق الصامدة بإعلانات بيع الكلى، وأي عضو يجد من يشتريه..يصمد المواطن كُرمى لعين الوطن، ومسؤولي الوطن، وتحت سقف الوطن يبيع أعضاءه بكامل إرادته، ليضمن عيشة أطفاله لشهور قليلة بعد العملية، فحتى أحشاءه لم تعد قادرة على تأمين عيش كريم مستقر ودائم.
ولكم في الصمود مجاعة.. مزن مرشد*

*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية