قد تكون مسألة وقت -ليس إلا- لقيامة الشارع في كل المناطق السورية، بصورة نضال موحد لن يستثني أحداً، فالثورة الفرنسية وهي أعظم ثورة في التاريخ الإنساني، كانت (ثورة ضد الجوع أولاً) وليست ( ثورة جياع) كما أسماها البعض في توصيف حراك السويداء النبيل البطل، والفرق بين المصطلحين يتعلق بأحكام قيمية، نربأ على مستخدميها إطلاقها إلا إذا أصروا على هذه المراهقة.
هنا لابد أن نصل لنتيجة مفادها أن لا شيء سيوقف هذا الحدث الحتمي الوقوع في كل سورية، سوى أن يقف رأس النظام ولأول مرة في تاريخه (مع حتمية الحياة) !!، ويعلن عن موافقته على التنحي مقابل إنقاذ الشعب والناس.
وقد حدث في قرية (دوير بعبدة) في الساحل السوري منذ أيام أن قام مجموعة من الأشخاص بطلاء صورة (بشار الأسد) باللون الأسود وطالبوه بالتنحي، وفي نفس الوقت كتب شبان في حي "الطابيات" في اللاذقية على الحيطان عبارات منددة برئيس البلاد مثل (بشار الحرامي) (ارحل يا بشار)، وقد قام الأمن على إثر ذلك باعتقال مواطنين من (آل حورية) و(آل ثلجة).
وقد وصلني شخصياً من عدة مصادر أن هذه الكتابات وشبيهاتها المطالبة برحيل رأس النظام، قد شوهدت في أكثر من عشرين موقعا في مدن وقرى الساحل وحمص ومصياف.
أما في القرداحة ذاتها فلا تختلف الصورة، وأنشر للقارىء الكريم رسالة وصلتني من أحد أبناء بلدة القرداحة هذا نصها: (أتمنى أن تنشر عن لساني - دون ذكر الاسم- أننا قرفنا جميعاً ونتمنى الخلاص اليوم قبل بكرة ! يا دكتور أقسم بالله أعيش أنا وعائلتي على الخبز والشاي، وتمر من أمام بيتي مواكب السيارات السوداء التي يركبها أفراد أعرفهم وحضرت مناسبات ( ختانهم)، والآن يتنعمون بالثروات والمال الحرام ونحن نموت الجوع .. لعنة الله على كل فرعون).
هنا تنشأ سيناريوهات واحتملات متعددة:
أولاً: إصرار النظام على عقلية الانتحار الجماعي، ربما بسبب حالة يبدو فيها كقط لم يترك له مكاناً للهرب منه، فيقدم على الخرمشة (القاتلة) فينتحر ويقتل معه الكثيرين، رافضاً حتى وصفات الحليف الروسي، في حال طلب منه التنحي.
ثانياً: تمكن الجانب الروسي من إجراء التغيير في رأس النظام - وذلك بعد عقد تفاهمات مع الغرب والإقليم - على هذا الأمر، ليس فقط لأن الروس لا يريدون تحمل المسؤولية لوحدهم، بل من أجل تحقيق أكبر قدر من المصالح السياسية والاستراتيجية، من هكذا تغيير كان ولا يزال مطلباً –معلناً– غربياً وإقليمياً، ومن أجل فاتورة إعادة البناء بعد سقوط النظام.
ثالثاً: وهو السيناريو الأسوأ، و فيه يتم الإبقاء على رأس النظام والوضع على ما هو عليه، من أجل تحصيل أكبر قدر من (الفوائد) لكل المتدخلين في القضية السورية، وذلك لأن البلاد تبدو بوجود (بشار الأسد) بكل ضعفه الآن، على رأس السلطة والشعب مغيب الإرادة، مثل (بيت بلا صاحب) والكل طامع بحصة من ثروته.
بيد أن هذا السيناريو الأخير قد يكلف الروس مواجهة على الأرض مع الجماهير الغاضبة الجائعة، والروسي يعلم ذلك جيداً.
هنا يقف العامل الإيراني ليبدو وكأنه العقبة الأكبر، فمسألة خروج إيران من سورية بشكل كامل، تحتاج إلى الكثير من العمل الروسي والأمريكي المشترك، حيث نعتقد أنه في حال اتفاق الروس والأمريكان على ساعة التغيير، سيكون هذا جزءاً من تفاهمات أوسع نطاقاً تتعلق بوضع حزب الله في لبنان، الذي قرر ممارسة السياسة على ما يبدو، وإنشاء قنوات اتصال مع الجانب الأمريكي، الأمر الذي له مدلولات هامة للغاية، حتى فيما يتعلق بالشأن السوري، لكن هم الحزب الرئيس هو الحال الصعب في لبنان الذي ينذر بانهيارات على كل الصعد.
بالمجمل لن يأتي العام 2021 بدون تغييرات هامة للغاية في الوضع السوري، قد تنعكس على كامل المنطقة، والقانون الذي نرتكز عليه في هذا الاستنتاج هو فقدان أسباب الاستمرار المالية بشكل كامل لدى السلطة، وفقدان الدعم وإبر الإنعاش التي كانت في الماضي تأتيه من دول مارس خلال السنين الفائتة كل أنواع الحمق السياسي في استعدائها.
ويستطيع الرئيس كما قلنا سابقاً قلب الطاولة على الجميع، بالتوجه برسالة إلى مجلس الأمن يضمنها استعداده الكامل لتنفيذ القرار 2254 الصادر عن المجلس دون إبطاء، مع بنود إجرائية منها عقد مؤتمر سوري جامع برعاية مجلس الأمن الدولي في دمشق، من أجل ترتيب عملية الانتقال في السلطة وكافة التفاصيل الضرورية من أجل ذلك، فإذا فعلها فلسوف يبدو وقد قدم الخدمة الوحيدة لشعبه خلال هذه المأساة، لإحداث تغيير متوازن لا يستأثر فيه أحد من اللاعبين، وعبر هذا الشرط سيكون أمر (إيران) وخروجها من سورية أسهل بكثير من أي سيناريو آخر.
سيناريوهات سورية... د. محمد الأحمد*

*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية