ليست سوى رحلة بحرية لأربع وعشرين ساعة في بداية الصيف، أو حتى في نهايته فهذا الأمر عائد لمزاج الشخص أو المجموعة فهناك من يرى البحر أكثرجمالاً في الشتاء، ويكون الزحام قد انتهى، والشاليهات أرخص من شهور الصيف الصعبة.
هذا بالنسبة لجموع الراغبين بالسياحة دون برنامج أو برعاية مؤسسة ما حكومية أو خاصة، وأما بالنسبة للمدارس والجامعات والمعسكرات الصيفية ووزارات الدولة فالحكومات البعثية العتيدة وفرت لهم ما يتناسب مع ما جمعوه أو مع رواتبهم، وهنا لا بد من الالتزام بالبرنامج البعثي الذي لا يستثني الخاص ويفرضه على العام، والشاطر من يطبّل اكثر أمام القيادات الأمنية والبعثية التي ستضع له إشارة إيجابية كونه عرّج على القرداحة، حيث يرقد القائد الخالد في ضريحه.
منذ أن استقر حافظ الأسد في ضريحه بدأ موسم الحجيج الإجباري لقراءة الفاتحة على روحه، وهذا ما يعني مراسم دخول ووقوف وتصوير ومراقبة، ونظرات متبادلة بين الرفاق الزائرين من منهم قرا باستفاضة وصبر مع دمعة حزن، ومن هتف لروحه بنداءات الأبد.
الشيوخ أيضاً رتبت لهم زيارات الضريح وقراءة الفاتحة والدعاء بالرحمة، وهؤلاء لا تنقصهم الخبرات في هكذا مناسبات، ومن الضروري استغلالها في الترشح لمديريات الأوقاف والخطابة والامامة، وبعض المال الممنوح كمكافآت على الولاء والاخلاص.
أما التلاميذ فلهم طقوس التحضير للزيارة ومراسم الدخول، وكذلك الكلمات التي يلقيها المتفوقون منهم مقابل ضريح القائد، وكذلك سيجدون من يملي عليهم مزايا القائد وفتوحاته وإنجازاته، ووجوب الإخلاص لذكراه والولاء الأبدي لهم، وهذا ما سينطبق على من هم أعلى منهم مكانة كالأساتذة وموظفي التربية عموماً.
العامة ممن لا ينتسبون إلى مؤسسة بعينها سيجدون من يسألهم عن زيارة الضريح، وكيف وجدوه، وهل قرأوا الفاتحة على روحه، وهو ما يمكن أن يدور بين العائلات في المسامرات والتباهي، والنفاق المشوب بالخوف الذي ساد بين السوريين بعد حقبة الرعب الكبير التي عايشوها حيث للحيطان آذان، و"الشباك الذي تأتيك منه الريح سده واستريح".
إذا زرت الضريح لا يمكن لك أن تخرج إلا بزيارة أخرى لا بد منها، وهي من باب الحب لصاحبه، وليس ببعيد عنه تقبع أمه ناعسة، حيث جامعها القريب الذي سيكون مستحسناً أن تقرأ الفاتحة على روحها ليس لأنها ذات تاريخ في الشأن العام والخاص في البلاد، ولكنك ستجد صورتها مع القائد في أماكن كثيرة فهي أمه التي أنجبته ليخلص السوريين من الإقطاع والرأسمالية والامبريالية.
أسس البعث ضريح قائده من أجل أن يحمل أبداً شعوراً بالبقاء الأبدي في أعماق السوريين الحالمين بالتغيير، ومع كل هذا الروتين الدوري للتقديس لم تمر سنوات طويلة حتى وصلت صيحات الساخطين إلى آذان الرابض هناك، وأسقطت كل التماثيل التي تحمل نفس المعنى في أقصى الأرياف والقرى الصغيرة، وسؤال عميق نقله صديق موالٍ عن ضابط كبير: كم من الحقد في قلوب الملايين التي زارت ضريح القائد؟.
من طقوس سيران قراءة الفاتحة على الضريح
عبد الرزاق دياب - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية