أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

تأثيرات متوقعة لقانون سيزر في المنظور الاقتصادي

وصل معدل البطالة إلى 42 % - جيتي

قبل الخوض في اقتصاديات قانون سيزر لا بد من تثبيت ثلاث نقاط: الاولى، هي أن قانون سيزر مشروط بعدم تطبيع الوضع السياسي في سوريا، والقيام بإجراءات تدل على التوجع عن حل سياسي ما يوقف القانون.

الثانية، إن قانون سيزر، بالنسبة لي على الأقل، ليس واضحا تماما في كامل أبعاده النظرية، وما الذي سيطبق منه، لذلك فإن ما سيتم عرضه هنا هو تخمينات للآليات المحتملة للتأثير على الاقتصاد السوري.

الثالثة هي أن اقتصادات الدول الشمولية هي مستويان: مستوى عامة الناس وهو الاقتصاد العلني وهو مكشوف للعقوبات، ومستوى النخبة الحاكمة الضيقة الذي يعتمد على النشاط المافيوزي والتجاوز على القانون والأنشطة السرية وهو بطبيعته محصن بقانون ضد القوانين المحلية والدولية.

يمكن تلخيص العقوبات الدولية في أبعادها الاقتصادية في ثلاثة أنواع: النوع الأول يستهدف مصادرة أموال وثروات جهات وأفراد موجودة في الخارج، والنوع الثاني هو ما يستهدف أنشطة اقتصادية حقيقية داخل البلد في علاقتها مع الخارج، والنوع الثالث هو ما يستهدف شل النظام المالي والنقدي.

ويبدو أن هذه العقوبات تبدأ من الأخف من حيث الأثر الاقتصادي أي النوع الأول، ويتم زيادة الأثر وصولا للنوع الثالث.

ويمكن اعتبار هذه الأنواع الثلاثة متكاملة من حيث تشديد الخناق على البلد المعني، بمعنى أن الأنشطة الاقتصادية التي تفلت من النوع الأول يمكن أن يصطادها النوع الثاني، وما يتم تجنبه في النوع الثاني يتولى أمره بدرجة عالية من الفعالية النوع الثالث.

يتحدد الأثر الاقتصادي لأي حدث على اقتصاد ما بحدين: الحد الأول هو طبيعة الحدث المؤثر وقدرته على التأثير والحد الثاني هو مدى قوة وحصانة الاقتصاد المعنى في تحمله للحدث المؤثر. لذلك فإننا في تناولنا لسؤال ما هي الآثار الاقتصادية المتوقعة لقانون سيزر على الاقتصاد السوري يجب أن نجيب على سؤالين أساسيين، الأولى هو: ما هي الفعالية المتوقعة لقانون سيزر كعقوبات اقتصادية والثاني ما هي قوة وحصانة الاقتصاد السوري تجاه مثل هذه العقوبات.

في الإجابة على السؤال الأول: يشمل قانون سيزر على الأنواع الثلاثة من العقوبات التي أشرنا لها. في النوع الأول يتم فرض الحجز على أموال مسؤولين حكوميين بدءا من رئيس الجمهورية ورئاسة الحكومة والوزراء وقادة الفرق العسكرية والفروع الأمنية والمحافظين وشخصيات أخرى.

ويصعب تعقب آثار هذا النوع لأنه ليس لدينا أي بيانات عن حجم أموال هؤلاء في الخارج، والتي يمكن أن تطولها الولاية القانونية الأمريكية.

يمكن أن أخمن أن هناك عشرات مليارات الدولارات التي يمكن أن تصادر. بالمعنى الاقتصادي فإن الاقتصاد السوري غير معنى بهذه الأموال مباشرة لأنها بالأساس أموال منهوبة وخارج البلاد ومن الصعب أن تعود.

لكن العقوبات تشكل فرصة للكشف عن جزء من هذه الأموال وربما يستطيع الشعب السوري المطالبة بها في المستقبل.

النوع الثاني من العقوبات يشمل فرض عقوبات مختلفة من مصادرة وحجز أموال ومنع تعامل لكل من يتعامل مع الحكومة السورية أو الجهات الداعمة لها عسكريا (روسيا وإيران والميليشيات الأخرى) في المجالات العسكرية أو تقديم الخدمات المالية أو المادية أو الهندسية.

مع التركيز على قطاعات الطيران والنفط وإعادة الإعمار. والنقاط المهمة هنا هي أن الخدمات المالية مفهوم واسع يشمل الاستشارات المالية والقروض والتسهيلات الائتمانية والخدمات المصرفية..الخ.

وكذلك الأمر بالنسبة للخدمات الهندسية التي يمكن أن تشمل طيفا واسعا جدا من الأنشطة.

وكذلك فإن استهداف قطاع النفط تعني حرمان سوريا من كامل موارد النفط والطاقة وأثر ذلك مدمر على نطاق الاقتصاد ككل.

علاوة على ذلك فإن الأساس الذي يمكن أن يبنى عليه المستقبل الاقتصادي للبلد هو إعادة الإعمار أصبح مشمولا بالعقوبات باعتبار أن البناء مذكور صراحة في القانون.

النوع الثالث من العقوبات هو تجريم البنك المركزي بتهمة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب. ومن ثم معاقبته بحرمانه من خدمات المدفوعات الدولية التي تتم من خلال الولايات المتحدة أو ضمن ولايتها القانونية.

أي اغلاق ومصادرة كل الحسابات التي يشتبه في أنها تخدم هذا البنك في المدفوعات الدولية. يبدو لي أنه هذه العقوبة هي الأقسى باعتبارها يمكن أن تشمل أي تعامل خارجي لسوريا نتيجة لعاملين.

العامل الأول هو أن أي تعاملات دولية تتم بالدولار يجب أن تسوى في النهاية في غرفة التقاص الأمريكية من منظور نظام المدفوعات الدولي، والنسبة الغالبة من التعاملات الدولية تتم بالدولار. العامل الثاني هو أن البنك المركزي، والسوري من بينها، هو مركز النظام المالي والنقدي في البلد، أي أن كل التعاملات المالية والنقدية وكل المؤسسات المالية والنقدي في البلد أن يجب أن تقيم علاقات من نوع ما مع البنك المركزي، والغالبية الساحقة من التعاملات الاقتصادية الدولية تسوى بطريقة أو بأخرى عن طريق البنك المركزي.

خلاصة هذا الكلام أن التعاملات الاقتصادية الخارجية لسوريا، بغض النظر عن نوعها، يمكن أن تكون معرضة للعقوبات بهذا الشكل أو ذاك بسبب صلتها بالبنك المركزي، بغض النظر عن كون النشاط المعني خاضعا للعقوبات أم لا.

خلاصة ما تقدم هو أن الأنشطة التي يمكن أن تفلت من النوع الأول من العقوبات يمكن أن تنكشف للنوع الثاني والأنشطة التي تتجاوز النوع الثاني قد تجد نفسها تحت طائلة النوع الثالث.

أي أن هناك نوعا من التثليث في الفلترة من جهة ومن جهة أخرى هناك توسيع للعقوبات للجهات يمكن أن تكون مشمولة، أي جهات متعاملة مع النظام وجهات متعاملة مع تلك. لذلك ستتردد الشركات والمؤسسات المالية والدول عشرات المرات قبل التورط في أي علاقة اقتصادية مع سوريا (الحكومة السورية).

في الإجابة عن السؤال الثاني: يمكن أن نستكشف قدرة الاقتصاد السوري على تحمل العقوبات من خلال بعض المؤشرات الاقتصادية على تدل على قوة الاقتصاد وإمكانياته المستقبلية ومستوى الرفاهية ومدى انكشافه للعقوبات. بعد حوالي عشر سنوات من الحرب وصل الاقتصاد السوري إلى حالة مزرية من الضعف والهشاشة. من أهم المؤشرات الدالة على حالة الاقتصاد هي الناتج المحلي الإجمالي، وقد تراجع ما بين عامي 2010-2017 من حوالي 60 مليار دولار إلى 17 مليار دولار، أي أن الكعكة الاقتصادية التي كانت تغذي كامل السوريين بمختلف فئاتهم الاقتصادية فقدت حوالي 70% من قيمتها.

ويمكن أن ندقق أثر ذلك من خلال حصة الفرد من الناتج المحلي الاجمالي التي تراجعت خلال نفس الفترة من حوالي 2900 دولار إلى 900 وهذا المستوى حسب تصنيف صندوق النقد الدولي هو مستوى الدول الأكثر مديونية والاكثر فقرا في العالم.

وإن فصلنا أكثر يمكن أن نشير إلى أن تقديرات مركز دراسات السياسات لعام 2018 أشارت إلى أن معدل السكان تحت خط الفقر (من لا يستطيعون تلبية الحاجات الاساسية للإنسان من مسكن وملبس وغذاء وصحة) هو 82% تقريبا وأن نسبة السكان تحت خط الجوع (من لا يتغذون بالحدود الدنيا من الغذاء لجسم الإنسان) هو 44% تقريبا.

ووصل معدل البطالة إلى 42% تقريبا (وهناك تقديرات تصل إلى أكثر من 80%).

وتقدر حجم المديونية الخارجية حوالي 130% من الناتج المحلي، ناهيك عن حال التضخم وتدهور قيمة الليرة السورية أصبح خارج قدرة الحساب على ملاحقة معدلاته.

هذا هو حال الجسم الاساسي للاقتصاد، وكما يبدو أنه (لا ينقصه سوى العقوبات!).

والحقيقة ينطبق على هذا الحال المثل الشعبي (نفخة هوا بتطيرو). هنا ينبغي أن نشير إلى أن التجارب تشير إلى أن الدول يمكن تناور على العقوبات بل وتفسدها وتفسد القائمين على التطبيق بوجود احتياطيات كافية من العملات الاجنبية أو ثروة نفطية يمكن بيعها تهريبا، لكن الحال السوري يشير إلى أن حجم احتياطيات العملات الأجنبية في البنك المركزي تراجعت منذ بداية الأزمة من حوالي 21 مليار دولار إلى بضع عشرات من ملايين الدولارات، وكذلك الأمر بالنسبة للثروة النفطية فهي خارج سيطرة النظام.

ما مدى انكشاف الاقتصاد السوري لآثار للعقوبات، وهنا نشير إلى من يقولون بأنه يمكن إغلاق الأبواب الخارجية والاكتفاء ذاتيا.

تشير إحصاءات التقرير الاقتصادي العربي الموحد إلى أن معدل الانكشاف الاقتصادي في سوريا هو تقريبا 50% (مجموع الصادرات والواردات مقسما على الناتج المحلي) هذا يعني إنه إن أغلقت الحدوة سنفقد 50% من الناتج المحلي الذي فقد مسبقا خلال سنوات الأزمة 70% من حجمة، ومن المؤكد أن هذا مستحيل بالمنطق الاقتصادي.

لو توسعنا في موضوع الانكشاف يمكن أن نلقي نظرة على تركيب المستوردات من حيث الاستخدام يمكن أن نلاحظ 90% من مستوردات سوريا (حسب المجموعة الاحصائية السورية) هي مواد وسيطة وسلع رأسمالية، أي أنها تخص عمليات الاستثمار والتجديد والإنتاج.

وأي خلل في عمليات الاستيراد تلك تعني توقف الكثير من القطاعات الإنتاجية عن العمل وتعطيل فرص الاستثمار والتجديد التكنولوجي في المستقبل. أي أن العقوبات لن تمارس أثرا مباشرا قصير الأجل فحسب بل الاقتصاد السوري معرض للآثار غير المباشرة والطويلة الاجل أيضا.

خلاصة ما تقدم هي أنه العقوبات المفروضة على سوريا خطيرة ومحبوكة بعناية وحال الاقتصاد السوري قبل العقوبات من السوء بحيث إن العقوبات يمكن أن تدفع إلى كوارث كبرى إن طبقت لفترة طويلة.

إن أهم الاتجاهات المتوقعة للأثار الاقتصادية للعقوبات إن طبقت هي:
1- لن تبدأ عملية إعادة الإعمار، وهي التي تمهد لبدء بقية الأنشطة الاقتصادية، فهناك حاجة لعشرات مليارات الدولارات فقط للبدء بإعادة الإعمار(قدرت مجمل خسائر سوريا خلال فترة الحرب بـ 530 مليار دولار حسب مركز دراسات السياسات) وهذه المليارات لا بد أن تأتي من الخارج، بالإضافة لخضوع نشاط البناء للعقوبات مباشرة كما أشرنا.
2- شلل القطاع المالي والنقدي.
3- تدهور الليرة السورية إلى مستويات التضخم الجامح، كما حدث في ألمانيا في عشرينات القرن الماضي أو موزمبيق أو فنزويلا الحالية.
4- انكماش الناتج المحلي الإجمالي وتراجع متوسط دخل الفرد وزيادة معدلات الفقر والجوع والبطالة فوق المستويات الحالية بكثير.
5- تحويل نسبة كبيرة من النشاطات الاقتصادية إلى السوق السوداء والمافيات.

د. مسلم عبد طالاس - مدرس في كلية الاقتصاد – جامعة ماردين
(168)    هل أعجبتك المقالة (143)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي