في مثل ليل هذا اليوم، استشهد "الأسمر" عبد الباسط الساروت، متأثراً بجراحه في معركة بريف حماة، خالف الأمر العسكري لقائد جيش العزة وخاضها. رافضاً حقه باستراحة ليلاقي حلمه الذي سعى إليه لسنوات، والموت يهرب منه حتى تعب واستكان.
وفي مثل يوم الغد من العام الفائت، فجعت سوريا بكل حالميها لخبر موت حارس أمانيها وثورتها، وكأن الجميع أيقن، أن مثل باسط لا يموت، أو يجب أن يبقى ليكمل مشوار شبهه بأمه الثورة، ولا ينشز ويخون، بآخر المشوار.
أجل، لم يشبه الثورة من بنيها القلائل، كما أخذ من ملامحها وتقلباتها باسط، ولم تتشبه الأم بجميع الثوار، كما تطابقت مع أبي جعفر، وكأنهما توأمان لا ابن وأم.
باسط بدأ بأهازيج وتمايل صوفي، وكذا كان مطلع الثورة، انتقلت الثورة للملاحقة والاستهداف، فتهجر باسط ورعيل ثوار حمص الأوائل، حوصر باسط ومن معه فأكلوا ورق الشجر فبدأت الثورة تشعر بوجع التخلي وأكلت بنيها، نزفت الثورة دم غياث مطر وباسل شحادة ليخسر باسط إخوته ورفاق حلمه..
ويتتالى مشوار التطابق بتسليح الثورة وبلبلها، وقت أيقنا معاً، أنه من العبثية والانتحار، البقاء على سلمية الثورة مع نظام يسعى للإبادة وليس لإخراس الثوار، وهكذا عبر مراحل إسلامية الثورة وباسط وخيانة الأشقاء والحلفاء للثورة وخديعة ومحاولات قتل الساروت، حتى خذل "البدوي" أمه واستعجل الشهادة..أو ربما تطابق معها حتى بموته، ليقول إن الثورة التي خرجنا لها وبها ماتت وهذه ثورتكم أيها التجار واللصوص فتابعوها.
اليوم، تتقافز صور وأحلام ثوار سوريا على الذاكرة، وتتعاظم الغصة لغيابهم عن عيش مرحلة أسسوا من دمائهم لوصول سوريا والسوريين لها، ولكن، يبقى لغياب عبد الباسط الساروت شكل أحلام متشظية كمرآة كسرها لطم الأماني، وطعم علقم لن تزيل مراراته، حتى حلاوة انتصار منقوص لشعب أعياه الوجع.
نهاية القول: قليلة هي كلمات الحزن والمواساة، وضيقة حد الاختناق، عبارات رثاء مناضلين سرقهم الموت وهم على عتبة الحرية..وإن يبقى العزاء، بأن هؤلاء وبمقدمتهم الساروت، أعادوا للواقع أسطورة البطل الشعبي ومدوا السوريين بحكايا فخر، ستتلى على الأحفاد كلما سألوا عن أثمان انتقال سورية، لزمن الحرية و الديمقراطية.
*من كتاب زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية