توشك الحرب على نهايتها، أو هكذا يقول المنطق والزمن، يخرج ابن النظام البار-الذي طالما هيمن على الاقتصاد السوري باسمه الظاهر بأموال ابن عمته المستتر- رامي مخلوف، يخرج بمسلسله المتلفز منقلباً على العائلة، مجاهراً بالخلاف، في الوقت نفسه يزداد نفوذ السيدة الأولى التي لقبت عالمياً بزهرة الصحراء ومحلياً بسيدة الياسمين واستحقت عن جدارة لقبها الجديد سيدة الدمار. تفرض أسماء الأسد نفسها اليوم بقوة على المشهد السوري، وإن كانت تحاول ظاهرياً الابتعاد عن القرار السياسي، لكن المراقب الجيد لما آلت إليه الأمور مؤخراً، يدرك تماماً الطموح الذي يسيطر على هذه السيدة التي أغرقت نفسها بالترف والبذخ، منذ أن أصحبت السيدة الأولى لقصر المهاجرين.
قد يقول قائل كيف تقبل هذا الدور من تربت على الديمقراطية وتنفست معنى الحقوق، لكنها في الواقع وفي تتبع بسيط لنشأتها في مدارس إنكلترا الخاصة، نجد أنها عانت من عقدة المستوى الاجتماعي والمادي طوال حياتها، وكانت تحاول جاهدةً أن ترسم لنفسها صورة الفتاة السورية الأرستقراطية بين قريناتها البريطانيات، ويبدو أن هذا ما حققته فعلاً بتزاوجها مع ديكتاتور دمشق.
لا تهتم السيدة الأولى بالخراب المهيمن على سوريا، ولا بالأوضاع الاقتصادية المتردية للمواطن، ولا حتى بمستقبل البلاد مهما كان معتماً، لتبقى مركزةً على ظهورها بمظهر السيدة الراقية، ذات المبادرات الإنسانية والاجتماعية مقلدة بصورة من الصور، الراحلة الليدي ديانا وشتان ما بين الاثنتين.
بدأت هذه المحاولات للتقليد بعد سنوات قليلة من زواجها، وقبل سنوات قليلة من الحرب، كانت أسماء الأسد نشطة بالفعل من خلال جمعياتها الخيرية وشبكاتها، التي تديرها من مكتبها في الرئاسة معتمدة على مجموعة من الشباب السوريين المتميزين، لكنها لم تتمكن فعلاً من فرض هيمنتها التي تريدها والتدخل في كل شيئ إلا بعد وفاة والدة زوجها في 2016، تمكنت حينها من فرض نفسها بصراحة أكبر، خاصة بعد الضجة الإعلامية التي أثارتها حول نفسها بأنها قاومت السرطان وهزمته.
استغلت أسماء الأسد قضية مرض السرطان لتتقرب من الرأي العام العالمي ولتظهر بأنها السيدة المقاومة، حتى أعلنت الرئاسة السورية في صيف 2018، شفاءها التام من سرطان الثدي الذي اكتشفته مبكراً وأنها تخضع للعلاج.
لكن هذه الحركة لا اعتقد بأنها خدمتها كما يجب، فهي السيدة التي تريد أن تتحكم بكامل مقدرات البلاد عبر دعم الرأي العام محلياً وعالمياً، لتكون -حسب ما تعتقد- بعيد عن الحقد والحمل الوديع بنظر الجميع، وهذا ما فشلت فيه فشلا ذريعاً، فما كان منها إلا أن تظهر أنيابها لتحاول افتراس حصة من الكعكة السورية التي يتهافت عليها الجميع من الأسرة ومن المقربين كما من الروس والإيرانيين عبر السيطرة على العقود والاتفاقيات وما إلى ذلك.
وعلى صفحة المنظمة في موقع "فيسبوك"، والتي تضم أكثر من 60 ألف متابع، تظهر لها الصور في المستشفيات بجانب المرضى أو في المدارس مع الطلاب، مما يمنحها صورة السيدة الأولى الرؤوفة، ألم أقل لكم بأنها تحاول تقليد الليدي ديانا! لكن تأثير أسماء في البلاد لم يقتصر على الجانب الإنساني كما أرادت أن تظهر، لكنها بدأت بالفعل بإسناد المهام الاقتصادية الكبرى لأقاربها فتم تعيين ابن خالتها طلال البرازي، وزيراً للتجارة الداخلية، وكان قبل ذلك محافظاً لحمص منبت عائلة الأخرس، وقريبها الآخر سيطر على الاقتصاد اليومي للسوريين عبر البطاقات الذكية وما يزال الحبل عالجرار كما يقال.
يقترب موعد الانتخابات الرئاسية السورية 2021، وتطمح السيدة الأولى أن تكون أول امرأة عربية تتولى رئاسة الجمهورية متأملة بالدعم الروسي لها، ومعتقدة أنها ستكون الشخص المقبول للجميع على كرسي الحكم، ظانة أنها بذلك تحافظ على وراثة الحكم لابنها كما ورثه والده، محافظة على ما نهبوه من السوريين طيلة خمسين عاماً وليس مهماً أن تكون حاكمة على تل من الرماد والدم، وليست مشكلة بالنسبة لها أن تستمر الحرب وأن تدخل سوريا في مجاعة، أو تتمزق البلاد تحت وطأة الأعلام الكثيرة فيها، لكن المهم أن تبقى هي في قصرها تبذخ من أموالنا وتتربع على عرش الخراب.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية