أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

جدلية خروج الفصائل من الأحياء السكنية شمال سوريا

وحدهم المدنيون هم الخاسرون

أكثر من أربع مواجهات نشبت بين فصائل الجيش الوطني السوري خلال شهر واحد فقط، في مدينة "جرابلس" وبلدتي "سجو" و"أخترين" ختاماً في مدينة "عفرين" الأسبوع الماضي، قضى في آخرها 3 مدنيين، حيث كانت الحادثة بواقعٍ مختلف، إذ رمى أحد عناصر الفصائل قنبلةً يدويةً على متجر مواد غذائية بعد رفض صاحبه "البيع بالاستدانة"، لتندلع إثر ذلك مواجهات بين المدنيين وعناصر فصيل أدّت إلى إحراق مقر الأخير والكشف مصادفةً عن سيدات محتجزات في زنازينه.

ترجع المواجهات إلى الصراع على النفوذ بالدرجة الأولى، وأحيانا تتطور بعد مشاجرة صغيرة تحدث بين عنصرين كل منهما يتبع لفصيل، لتتطور بعد ذلك إلى مواجهات مسلحة، تسفر عن قتلى وجرحى وخسائر مادية في الممتلكات الخاصة، وتتكرر بين الآونة والأخرى، لتفرض حالة استياء شعبية عارمة في مختلف المناطق.

يسود الهدوء الحذر بعد كُل اشتباك، وسرعان ما يتم إعلان الصلح بشكلٍ سريع وفقاً لقاعدة "تبويس الشوارب"، وغالباً ما تُهدر حقوق الضحايا، فبعد أيامٍ قليلة لن نجد من يسأل أو من يكون في موضع المسائلة، علماً أنّ كافة المدن لا تخلو من محكمةٍ مدنية أو عسكرية.

*الخاسر الوحيد
وحدهم المدنيون هم الخاسرون لا سيّما وأنّ جهات التعويض لا زالت غائبةً حتّى اليوم، فمن يخسر منزله أو سيارته أو متجره أو حتى "بسطته" المتواضعة عليه أن ينطلق من جديد بجهوده الذاتية دون مساعدة رسمية، ناهيك عن حالة الترويع التي تحدث جرّاء كثافة النيران المتبادلة بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة. يلتمس الناشطون والإعلاميون وبعض الوجهاء والفعاليات مخاطر تكرار الاشتباكات، يستثمرون الظروف للتذكير بضرورة خروج الفصائل من داخل الأحياء السكنية إلى خطوط الاشتباك ومعسكرات خاصة، وتسليم المدن للشرطة المدنية "ذات الانضباط الأكثر"، وتفعيل السلطة القضائية، والحد من انتشار السلاح ومنع إطلاق الرصاص في المناسبات.

بالرغم من تباعد المسافات والإمكانيات المحدودة إلّا أنّهم مستمرون في محاولتهم لتحقيق مطلبهم، لكن ما إن ينطقوا به حتّى يتم زجّهم في خانة العداء، سخّروا أنفسهم لانتقاد الجيش الوطني على حساب الابتعاد عن انتقاد الأعداء!. في حادثة "عفرين" الأخيرة صدر أكثر من عشرة بيانات تُذكّر بذات المطالب من بين الموقعين مؤسسات رسمية تتبع للحكومة السورية المؤقتة، في حين تستمر فعاليات نقابية وشعبية التزامها الصمت في مخالفة واضحة لواقع المزاج الشعبي.

تلقّى الكثير من المدنيين خبر تأسيس الجيش الوطني السوري بسعادة وتفاؤل، لكن سرعان ما انخفض رصيده الشعبي لأسباب كثيرة وفيما يبدو القيادة لا تكترث لها.

أبرز مهام الجيوش درء العدوان واحتواء المخاطر التي تهدد الأمن الوطني والمصالح الحيوية، وتأمين الجبهة الداخلية، وتهيئة الظروف المناسبة للنشاط الاقتصادي الآمن، وتوفير بيئة آمنة لحياة المدنيين، ولتنفيذ ذلك يتطلب على الجيش كشف المخاطر التي تهدد تطورات الوضع السياسي وتأمين الجاهزية القتالية العالية والاستعداد الكامل لحشد القوات من أجل التصدي للعدوان.

إلّا أنّه في حالتنا نفتقد لمن يستوعب ذلك من الجهات الرسمية أو ربما يُناقشه، فإلى اليوم تعمل فصائل المؤسسة العسكرية الواحدة بمسميات مختلفة وبقرارات مستقلة لا مركزية، ولكلٍ منها مكاتبها الأمنية وسجونها الخاصة واستثماراتها الاقتصادية، كما أنّها لم تتمكن من كبح عمليات تفجير المفخخات بالرغم من الإجراءات الاحترازية المُمارسة.

بعض المقربين من الفصائل يُروج بأنّ أهداف الانتقادات الصادرة بحق الجيش الوطني تتمثل بإنهاكه وصولاً إلى سيطرة النظام على كامل المنطقة، معتقداً أنّه يخدم الفصائل في هذه الاتهامات، ومتناسياً أنّها البقعة الجغرافية الوحيدة التي نتنفس فيها حريتنا بعد تسع سنواتٍ من التضحية والخسائر، ومتجاهلاً الناس الذين فضلوا التهجير من مناطقهم على أن لا يعودوا إلى حكم النظام المجرم. كما أنّ لخروج الفصائل من الأحياء السكنية يحمل أبعادا كثيرة، الحفاظ على هذه المؤسسة بشكل منضبط يُعبر عن تطلعات الشعب، وحماية المدنيين من الانتهاكات حتّى لو كانت صادرة من أفراد، والانتقال إلى تفعيل الإطار المؤسساتي لكل الكيانات الرسمية مدنيةً كانت أو عسكرية، وضبط السلاح بشكل عام، كل هذا من حق الشعب.

فادي شباط - زمان الوصل
(143)    هل أعجبتك المقالة (148)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي