تحريك عظام عمر بن عبد العزيز... ماهر شرف الدين*
![](CustomImage/get/700/500/84cda91e6850bd67f224e391.jpg)
إذا الذاكرةُ على عهدها لم تخنّي، ففي السنوات الأولى للثورة راسل أحدُ المؤيّدين الفنانَ السوريَّ مازن الناطور مخاطباً إياه بـ"حفيد يزيد"!
وقد ردَّ عليه الناطور، بأكثر الطرق تأدُّباً، حيث قال له إنه بالكاد يذكر اسم جدّه حتى يذكر أنه "حفيد يزيد".
خطرت لي تلك الحادثة، وأنا أشاهد صور نبش قبر الخليفة الأمويّ الثامن عمر بن عبد العزيز (681 م – 720 م)، في قرية الدير الشرقي قرب مدينة معرَّة النعمان، على يد الميليشيات الطائفية.
إنَّ ما أتحدَّث عنه، هنا، ليس الحقد الذي يؤدّي إلى نبش قبر "العدو"، كما حدث في شباط الفائت في خان السبل بريف إدلب حين أقدم عناصر من جيش الأسد على نبش قبور الثوَّار وتصوير هذا الفعل البربري ونشره على الملأ، بل هو حقدٌ أخطر بما لا يقاس، لأنه تقريباً حقدٌ غير مفهوم وغير منطقي ولديه القدرة على العبث بـ"إعدادات" الزمن.
فهؤلاء لا ينبشون قبرَ خصمٍ راهنٍ، لسببٍ راهنٍ، بل ينبشون قبر شخصٍ من التاريخ مضى على موته 1300 سنة، "انتقاماً" لأشخاص مضى على موتهم 1300 سنة، في سياق أحداث حدثت وانتهت قبل 1300 سنة!!
فأنْ تتَّخذ جماعةٌ من القرن الواحد والعشرين الميلادي أشخاصاً عاشوا في القرنَيْن السابع والثامن الميلاديَّيْن كأعداء راهنين لها، فهذا لن يُخرج تلك الجماعة من الواقع لوحدها، بل سيُخرج الآخرين معها.
فنبش قبر الخليفة عمر بن عبد العزيز على يد جماعات شيعية متطرّفة (الدير الشرقي، 2020)، وقبل ذلك نبش قبر الصحابي حُجْر بن عَدِيّ على يد جماعات سنّية متطرفة (عدرا، 2013)، وكلُّ نبشٍ في أحقاد تاريخية ماضوية، سيضع أمننا الحضاري في مهبّ الريح.
ففي مقابل وجود "الأمن القومي" و"الأمن الاجتماعي" و"الأمن الاقتصادي" و"الأمن الغذائي"... ثمَّة ما يمكن أن ندعوه بـ"الأمن الحضاري" الذي يتعلَّق بتماسُك الأرضية الحضارية التي تقف عليها مجتمعاتنا. وتحريك عظام عمر بن عبد العزيز -إنْ وُجدت- هو بمثابة تحريك لـ"الصفائح التكتونية" لتلك الأرضية.
إنهم ينبشون شيئاً غير موجود إلا في عقولهم المريضة بالماضي. لذلك هم، في حقيقة الأمر، يخترعون هذا الشيء وهم ينبشون عليه. ففي قبرٍ عمره 13 قرناً، ما الذي يمكن نبشه سوى أحقاد ماضوية يمكن لإعادة اختراعها مجدَّداً تفخيخ مجتمعاتنا لألف عام مقبل؟
لقد عَلِقوا في هذه الثقافة الماضوية القائمة على الدم والحقد والثأر، ويريدوننا أن نعلق معهم، ضمن عملية شريرة لخطف الحاضر، والتفاوض عليه في أحد كهوف الماضي!
*شاعر وكاتب سوري
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية