أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

"عادل".. قصة شاب سوري سحقه العوز والصرع واللجوء وأودى به في سجون اليونان 13 سنة

عادل - زمان الوصل

*قصة عادل قد تبدو فردية، لكنها تصلح لتكون نموذجا لمجموعة بشرية "متروكة"
*تقول عمته أن مختلف المؤسسات المعنية بشؤون اللاجئين رفضت مساعدتها بحجة، أنها لاتتدخل بقضية من هذا النوع

يختزن سوريو الشتات قصصا مؤلمة لمجموعة بشرية ضخمة "متروكة"، ينبغي عليها حرفيا أن "تقلع شوكها بيدها"، فلا هي مسؤولية النظام ولا حتى المعارضة، وهذا أحد المقاييس الجديرة بالملاحظة التي تثبت أن سوريا لم تعد دولة فاشلة فقط، بل إنها قطعت مرحلة "متقدمة" في هذا الفشل.

أما المجتمع الدولي ومؤسساته ومن يدور في فلكها ويتحدث باسمها، فقد انخرطوا منذ وقت غير قصير في منهج التعاطي البارد مع مختلف الفواجع السورية على فداحتها، وهذا منهج بحاجة لبحث طويل، يحقق فيما إذا كان الأمر ناجما عن الطبيعة البشرية التي تنتقل من طور الصدمة بالكارثة إلى طور التعايش معها وربما الاعتياش عليها، أم هو نتيجة "قرار" دولي بإحالة ملف آخر من ملفات الشعوب المسحوقة إلى الظل، أم هو –هذا المنهج البارد- يشكل خلاصة المسألتين معا (الطبيعة البشرية والقرار الدولي)؟.

وقصة اليوم وبغض النظر عن مسبباتها وملابساتها، تمثل -على فرديتها- نموذجا للوضع الذي باتت (أو يمكن أن تكون) عليه شريحة من سوريي الشتات، لاتجد من يسمع صوتها ويتبنى قضيتها، لولا مواقع التواصل الاجتماعي وبقية من وسائل إعلام تهتم بهذه القصص.

*ساعتان.. سنتان
بصوت متهدج تروي العمة لـ"زمان الوصل" فصول حكاية ابن أخيها الشاب السوري "عادل زهير الشعار"، والذي تراه مسكينا ليس فقط لأنه مصاب بالصرع (بيوقع بالساعة حسب وصفها)، بل لأنه بالفعل شخص يعاني من اختلاطات تجعله يعيش أحيانا في عالم غير العالم المحيط به، وتسهل حتى على طفل أن يقتاد هذا الشاب إلى حيث يريد.

بدأت فصول قصة "عادل" في مثل هذه الأيام تقريبا قبل عامين، حين اختفى عن ناظري عمته نهائيا، بعد أن أخبرها أنه سيغادر المخيم الذي كانا يعيشان فيه (باليونان) نحو العاصمة أثينا وسيرجع سريعا (يبعد المخيم عن العاصمة نحو ساعة ونصف).

ولكن "عادل" ما لبث أن اتصل بعمته لاحقا ليخبرها أنه بدأ بالعمل في مجال "المعجنات"، ورغم قلقها عليه فقد قدّرت رغبته في الحصول عن عمل يمكن أن يوفر له مالا، يعيل به أخته وجدته الللتان خلفهما في سوريا، كما عبر عن ذلك.

ولكن قلق العمة لم يلبث أن تجدد على الشاب البسيط، فاتصلت به وأخبرته بأن يعود إلى المخيم "ما بدنا ياك تشتغل، تعال"، فرد عليها "عادل" بأنه يريد مواصلة العمل حتى يرسل النقود إلى جدته التي لامعيل لها بسوريا.

ولما عادوت به الاتصال من جديد لحثه على العودة، وعدها الشاب بأنه عائد إلى المخيم خلال ساعتين، ولكن الساعات انقضت ولم يصل عادل، فاتصلت العمة به دون أن تجد جوابا، فانتابها القلق الشديد لعدم رده، لكنها تذكرت أن ذلك يمكن أن يكون ناجما عن نوبة صرع جديدة أصابت الشاب، ولن يلبث أن يعود إلى وعيه ويتصل.

ثم انقضت الأيام والأسابيع، ولم يظهر أي أثر لـ"عادل" ولم يكن هناك أي خيط يوصل إليه مع إغلاق هاتفه وعدم تقديم الشرطة أو إدارة المخيم أي جواب عن مصيره رغم سؤال العمة المتكرر عن ابن أخيها، وأين اختفى.

ثم خطر لها أن تسأل بعض رفاقه، فأخبروها أن "عادل" كان يعمل في تهريب اللاجئين إلى داخل اليونان، وفي منطقة تبعد عن المخيم نحو 8 ساعات، دون أن يحددوا لها اسم هذه المنطقة ولا الشخص أو المجموعة التي كانوا يعمل معها.

وهنا لجأت العمة الوحيدة إلى المحامي الخاص بالمخيم، لكنه لم يستطع مساعدتها بشيء ملموس، وطلب منها أن تأتي له باسم المنطقة التي كان يعمل بها "عادل" عله يسأل عنه الشرطة المحلية هناك، فعادت إلى رفاقه لتلح عليهم بالسؤال، لاسيما أن أيام اختفاء "رفيقهم" قد طالت، فأخبرها أحدهم باسم المنطقة التي كان يعمل فيها.

أوصلت العمة اسم المنطقة للمحامي الذي بادر للاتصال بسجن المنطقة، فأخبروه أن "عادل الشعار" محتجز لديهم منذ 20 يوما، فسألهم عن سبب احتجازه، فجاءه الرد: قبضنا عليه بجرم تهريب البشر، ولن نستطيع تزويدك بتفاصيل أكثر، ولكن الأفضل أن توكلوا له محاميا من نفس المنطقة، حتى يسهل عليه التردد على السجن والتواصل مع "عادل".

ولأن العمة كمعظم السوريين اللاجئين من ناحية القدرة المالية، فقد سألت محامي المخيم أن يترافع عن ابن أخيها، لكن المحامي اعتذر وقال إن عليها توكيل محام خاص، وهذا يعني أن عليها التحضر لدفع مبلغ ربما يصل إلى نحو 4 آلاف يورو، ليس لها كلاجئة ضعيفة طاقة بدفعها.

طلبت العمة، حسب قولها، العون من منظمات مختلفة، لها علاقة باللاجئين بما في ذلك الصليب الأحمر، لكن الجميع اعتذر، وقالوا إنهم لا يتدخلون نهائيا في القضايا التي يكون اللاجئ فيها متورطا بالتهريب، وأعادوا نصحها بتوكيل محام خاص، تدفع له من جيبها.

*له عالمه
هنا أغلقت الأبواب نهائيا بوجه العمة التي كانت تتحرق بسبب سجن ابن أخيها، وزاد من حرقتها أن المهرب (لاتعرفه ولكنه تعرف أنه من جنسية عربية) الذي ورطه لم يمد له يد العون بشيء بل لم يسأل عنه إطلاقا، بخلاف شخص آخر قبض عليه مع "عادل" وتم توكيل محام له وإخراجه من السجن بحجة أنه "قاصر".

ولم تقف معاناة العمة عند هذا الحد، فعندما سمحت إدارة السجن لعادل باستخدام الهاتف للاتصال به، كان الوقت المسموح به، دقيقة أو دقيقتان لمكالمة كل شهر وأحيانا كل شهرين، يحاول الشاب أن يصف فيه وضعه، كأن يقول: لم يوكلوا لي محاميا، أخذوني للتحقيق دون وجود مترجم، تدهورت صحتي فنقلوني للمشفى (حسب رواية العمة).

وهكذا مضت السنة الأولى، وكادت الثانية تنقضي دون أن تتمكن العمة من إيجاد من يعينها لإطلاق ابن أخيها أو فهم حقيقة تهمته، وقد زاد من أوجاعها (تعاني أصلا من المرض الذي يحد من حركتها)، أن تعلم لاحقا بأن القضاء حكم على "عادل" بالسجن 13 سنة، في حين أن نصوص القانون اليوناني –حسب ما قيل لها- تمنح من يقبض عليه للمرة الأولى بجرم التهريب عذرا مخففا، حيث يتم احتجازه لفترة قليلة (عدة أشهر) ثم يطلق سراحه تشجيعا له على عدم معاودة التهريب، فلماذا لم يستفد "عادل" من هذا العذر؟.. تتساءل.

وتعود العمة لتذكر بأن "عادل" شاب بسيط التفكير، ويعيش في بعض الأحيان خيالات وأوهاما يرويها للآخرين كحقائق فيما هي لم تحصل معه إطلاقا، فيحدث عمته مثلا كيف اعتقله النظام ويستطرد في تفاصيل يبنيها في مخيلته، فتنظر إليه العمة بشفقة وتسايره رغم أن ما يقوله لم يقع مطلقا، لكنه في النهاية يعيش في عالمه الخاص، الذي لا يشبه عالمنا كما ترى.

وبلهجة المتلهفة الخائفة، وبعد أن بلغها أن الأيام القادمة ستشهد إعادة محاكمة "عادل" ترجو العمة أن تجد جهة تقبل بالترافع عنه وتبيان حقيقة وضعه، على ذلك يسهم برفع ما تراه ظلما وقع عليه، نتيجة التغرير به، واستغلال ظروفه.

وزودت العمة "زمان الوصل" بكم من الوثائق الخاصة بعادل، مثل وصفات حررها أطباء يونانيون، وقد سألنا طبيبا عن محتوها، فأكد أن بعضها بالفعل يحتوي دواء يوصف لما يعانون الصرع.

وأكدت العمة"، وهي تناشد الهيئات المسؤولة عن اللاجئين عبر جريدتنا، أن "عادل" ليس له أحد نهائيا في اليونان سواها، فقد قضى والده منذ فترة، أما والدته فتوفيت يوم أن كان صغيرا.

وقالت مصادر منفصلة، إن "عادل" بالفعل شاب بسيط وقد عاش طفولة معذبة بعدما توفيت والدته، وصار عرضة لاضطهاد زوجة والده وقسوتها، التي أثرت في شخصيته، ثم جاء حادث مروري ليكمل المأساة فحصل له ما يشبه ارتجاج المخ، وبات الشاب أسير مرض الصرع ونوباته.

تنويه:
إن "زمان الوصل" إذ تعرض هذه القضية، لا تدافع عن أي خرق أو خارق للقانون مهما صغر أو أيا كان، ولكنها تدافع عن حق المتهمين وذويهم، لاسيما الفئات الضعيفة من اللاجئين، في أن يعاملوا كما يعامل الأشخاص الذين لهم "دول" و"حكومات" تتابع قضاياهم في البلدان التي يقيمون بها.

الشكر الجزيل للصحافية "زهرة محمد" التي ساهمت في رؤية هذا التقرير للنور. 

إيثار عبدالحق-زمان الوصل-خاص
(327)    هل أعجبتك المقالة (291)

ا

2020-05-28

اخي كاتب المقالة هل هذا العنوان برأيك مناسب لمحتوى النص. تستطرد في كتابة المقال بعرضك حالة إنسانية. هذه القصة تشبه قصة الموسم التي أصابها ايدز وبعدها وقفت تستجدي الناس ثمن أدويتها لأن لامعيل لها. القصة أن عادل مهرب وقرر التهريب لأنه سيجمع الكثير من المال بدون بذل أي مجهود كبير. كم شخص مات غرقا او بردا بسبب مهرب؟؟؟!.


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي