هذا المقال سيقارن أربعة أفلام هي الفراشة، والخلاص من شاو شانك، وفيلم الكونت دي مونت كريستو، وفيلم آلام المسيح، وخامسها فيلم لم يصوّر بعد اسمه سجن تدمر.
أمس شاهدت النسخة الثانية من فيلم "بابيلون"، الذي أنتج سنة 2017، ولم أعرف سبب إنتاجه مرةً ثانية، وليس فيه جديد سوى المشاهد العاطفية والجنسية في بداية الفيلم، وقد أُهدرتْ النهاية درامياً، فالنهاية السعيدة في فيلم "الخلاص من شاو شانك"، وهو فيلم من أفلام السجون الرهيبة، هي أحد أسباب نجاحه، ونهاية فيلم الفراشة سعيدة أيضاً، لكنه لم يلتق بحبيبته التي ظهرت في بداية الفيلم، والكنز الذي حصل عليه بابيلون هو الحكاية، فالحكاية هي أكبر الكنوز وأعظمها، وقد أضيفت المشاهد الجنسية في النسخة الثانية لجذب المشاهد، وأضيفت علاقة الصداقة والوفاء بين بطلي الفيلم هنري بابيلون (تشارلي هونام) وزميله المُزوّر الخطير لويس ديجا (رامي مالك)، ولم يحظَ الفيلم بعلامات جيدة على موقع الطماطم الفاسدة النقدي السينمائي.
الصداقة والوفاء هي خاتمة فيلم شاوشانك، بل إنّ مواقع التصوير بين النسختين هي نفسها. حظي فيلم "بابيلون" الأول المنتج سنة 1973 للمخرج فرانكلين تشافيز وتمثيل ستيف ما كوين وداستن هوفمان، بتقييم أفضل، وأرباح أكبر في شباك التذاكر، والقصة قراءةً، أمتع من الفيلم.
إن عبارة "الصورة تغني عن ألف كلمة" ليست صحيحة، الصواب: "إنَّ ألف صورة لا تستطيع أن تؤدي معنى كلمة".
يبدو أنَّ السينما العالمية تواجه مشكلة البحث عن قصة، ويمكن أن يسأل المرء هذا السؤال: ماذا لو مُثّلتْ إحدى قصص المعتقلين السوريين وصوّرتْ فيلماً سينمائيا؟ وهي قصص بالآلاف، وسورية بلد ثروات، وهي شام شريف، وهي بلد الفراشات، وكلها قصص تستحق التصوير، وستُذهل العالم، وستغلب أفضل أفلامهم في الجودة والمشاهدة.
ماذا لو تبنّى مخرج عالمي قصة "القوقعة" للكاتب مصطفى خليفة، أو أُنتجتْ إحدى الشهادات التلفزيونية في برنامج "يا حرية" فيلماً؟ ماذا لو مُثّلتْ شهادة مريم خليف وحُوّلتْ إلى فيلم، أو قصة منار جابر، أو قصة محمود عاشور، التي بُثّت في برنامج مراجعات على فضائية الحوار؟ ولن تُمثّل، فلن يرضى الغرب بأبطال من بلادنا، فهم لا يختارون أبطالهم إلا بعد اختبار معتقداتهم، ويجب أن يكونوا مناسبين لقيم الحضارة الغربية.
وربما يشهق ميل جيبسون صاحب فيلم "آلام المسيح" دهشة وعجبا إذا رأى فيلمنا عن سجن تدمر إذا ما قيض له وصوِّر خرج للنور، وفيلمه آلام المسيح الذي أخرجه وأنتجه صاحب أكبر إيرادات مالية في التاريخ على الإطلاق، سيأخذ العجب إذا شاهد مقدار التعذيب والبطولة في أفلام المعتقلين السوريين.
سيقول جيبسون بعد مشاهدة فيلمنا: لقد عذبوا هؤلاء أكثر من السيد المسيح نفسه. ولن تسمح الأنظمة العربية بتصوير فيلم عن المعتقل السياسي العربي في المدى المنظور. وفيها قصص هروب ناجحة، وهي نادرة جداً، وفيها قصص بنهايات سعيدة بعد اعتقال دام ربع قرن من التعذيب الصافي، الذي لم يسمع بمثله سوى في محاكم التفتيش الإسبانية.
أعود إلى فيلم "الخلاص من شاوشنك"، الذي اعتبر أفضل فيلم في التاريخ السينمائي على الإطلاق، وصار بطلاه تيم روبنز ومورجان فريمان أيقونتين، والقصة مقتبسة عن الكونت دي مونت كريستو، لكنها جديدة، ولم أجد إشارة في نقد الفيلم ودراساته الشائعة تقول إنَّ قصة دوماس مقتبسة عن قصة النبي يوسف عليه السلام، وهي كذلك، وقصة النبي يوسف هي أحسن القصص، وقد نجا يوسف عليه السلام بتفسير الأحلام، وصار وزيراً للمالية، ومسؤولاً عن خزائن مصر وما حولها، وكان أندي بطل فيلم شاوشنك محاسباً مصرفياً. الفيلم يستحق جائزة الفيلم الأول والأجمل في التاريخ.
كتب قصة شاوشنك، ستيفين كينج، وهو كاتب قصص رعب، كان عنوان قصته "ريتا هوارث والخلاص من شاوشانك"، وكانت قصة من مجموعة قصصية بعنوان "الفصول الأربعة"، اطلع عليها فرانك درابنت، فأعجب بها، وكتب قصتها السينمائية وأخرجها بنفسه.
أُخذتْ قصة الفراشة عن سيرة ذاتية للكاتب هنري تشاريير، والغرب يحب أبطالاً ملوّثين، أبطاله مجرمون طيبون، فبطل الفراشة لص، لكنه لص شهم، وبطل شاو شانك كان يهمُّ بقتل زوجته وهو سكران، لكن أحداً آخر قتلها، وكانت زوجته تخونه، ربما لأنه بارد العواطف. وأبطال السينما الغربية كلهم باردون، يشبهون القدر، يخرج أندي تاركا وراءه انتقامه مثله مثل الحكيم رويان في انتقامه من الملك يونان في قصة ألف ليلة وليلة، ومثل الكونت دي مونت كريستو، والانتقام واحد من أهم عناصر الحبكات في السينما الأمريكية، وأبطالهم لا يشبهون أبطالنا. تقول معلومات الفيلم العظيم إنَّ موقع تصوير فيلم شاو شانك تحوّل إلى محجّة سياحية ومصدراً للدخل القومي الأمريكي! وقد دمرتْ داعش سجن تدمر، حتى لا ينافس مكان تصوير ضيعة ضايعة، الذي صار مزاراً سياحياً، والله أعلم.
سألتُ معتقلاً سابقاً بعد أن نصحته بمشاهدة فيلم بابيلون عن جزيرة الشيطان التي نفي إليها بابيلون، فضحك وقال: هذا فردوس مفقود، فقلت له إنه فردوس للأحرار السوريين، فكيف بالمساجين السياسيين. في فيلم شاو شانك الرهيب، وفي أثناء التشريفة يقول لهم مدير السجن بعد حمام بخرطوم مياه الإطفاء، ومزيل للقمل: إنَّ كثيرين كانوا يبكون ويحلمون بالانتحار في الليلة الأولى. ليس أثمن من الحرية، لكن شاو شنك فرودس أيضاً، فيه ثلاث وجبات، وحمامات وصابون، ومشاغل للنجارة والخياطة، ومكتبة، إذا ما قورن بسجن تدمر وبفرع فلسطين، أما جزيرة الشيطان، فيمكن لأي معتقل سياسي، أو حتى سوري غير معتقل، أن يسميها جزيرة الملائكة. منفى تحت السماء، والشمس تطل على المحيط الهادئ!
في هذه الأيام تكثر الأخبار عن مصير بشار الأسد، الذي عمل لنفسه تبييت شطرنجي بين زعيم روسيا وآية الله الإيراني، يمكن أن نتذكر بعض أمتع المشاهد من فيلم شاو شانك، الذي ينهمك بطله في نحت حجارة الشطرنج الذي يلعبه مع مدير السجن، ويدور بينهما حوار عن الكتاب المقدس وأجمل عبارة فيه، فيقول مدير السجن القاتل والفاسد، إنّه يحبُّ عبارة :"أنا نور العالم من يتبعني لا يمشي في الظلمة"، ويقول أندي: إنّه يحبُّ عبارة: "اسهروا إذاً، لأنكم لا تعلمون متى يأتي رب البيت"، و"يوم الدينونة وشيك".
*أحمد عمر - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية