أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

أسألك الرحيلا... فؤاد عبد العزيز*

أرشيف

أول مرة سمعت أغنية "أسألك الرحيلا" لـ"نجاة الصغيرة" ، كان في مطلع تسعينيات القرن الماضي، أيام الدراسة الجامعية، وكنت أطلق عليها اسم "حل عني" ولا أستمع إليها إلا عندما أكون متعبا من شيء ما.. هذه الأغنية تذكرني بأيام الإفلاس والخيبات وعلاقات الحب الفاشلة ووجبات الفول والحمص والفلافل ومفركة البطاطا، التي كنا نأكلها يوميا دون كلل أو ملل، حتى باتت من ألد أعدائي إلى يومنا هذا..كان أحد الأصدقاء يمازحني بالقول عندما يراني استمع إليها بانسجام: تخيل أن تهدي حبيبتك هذه الأغنية..! ولكنني بعد عدة سنوات وقعت في مطب مشابه، عندما أهديت فتاة شريط كاسيت لكاظم الساهر فيه أغنية "أكرهها"، ويومها أقامت الدنيا ولم تقعدها عليّ، لدرجة أنني لا أستمع لكاظم حتى يومنا هذا.. رويت مرة لزوجتي قصة "حل عني" وقصة أغنية "أكرهها"، إلا أنها لم تضح، و بدل ذلك، نظرت إليّ بعدوانية، ثم قالت لي: "نكتة بايخة".

عندما انطلقت الثورة السورية في العام 2011، كان الناس يبحثون بالسراج والفتيلة عن نشيد أو أغنية ثورية، وكانت قد ظهرت للتو أغنية "يا حيف" لـ"سميح شقير" وحققت نجاحا باهرا، فاقترحت عليهم أغنية "أسألك الرحيلا"، وأننا نستطيع أن نجري عليها بعض التعديلات وأن نغير اللحن، ولما لم يوافقني أحد على الاختيار، رحت أجرب لوحدي استبدال بعض الكلمات، التي كتبها نزار قباني عن الحب، بالوطن والبلد، ونجحت إلى حد كبير، إلا أنني لم أوفق بإيجاد لحن مناسب للكلمات الجديدة.. كان الكثيرون في تلك الفترة يبحثون عن شيء "يدبكون" عليه ويزيد من حماستها، أما أغنية "أسألك الرحيلا" فهي مكرسة في الأذهان على أنها أغنية عن الشوق والحب والحنان، هكذا قال لي "بلبل" الثورة في بلدتي في ذلك الوقت.

ثم أردف: الناس أصبحت تغني "يلعن روحك يا حافظ .. وين رايح إنت يا رجل ..؟".. وطالبني بالتوقف عن محاولاتي فورا.. في الأيام الأولى للثورة، كان الكل يريد أن تكون له مساهمة ولو بشيء بسيط، وهو ما أدى إلى ظهور الكثير من الحركات الزائدة، التي لم تخدم الثورة بشيء، بل على العكس، ساهمت بظهور الفئة التي كانت تعاني من سوء التقدير في المجتمع، وعلى حساب الفئة المثقفة والواعية، وهو برأيي ما مهد لنشوء فكرة السلاح وتعزيزها، التي أدت لاحقا لهروب جميع النخب والعقلاء في الثورة، من البلد. كنت أروي هذا الكلام قبل يومين لأحد الأصدقاء على الهاتف، بينما كنا نستذكر أيام الثورة الأولى، وتلك الآمال التي بنيناها على سقوط النظام وبناء دولة الحرية والمواطنة والديمقراطية، وكيف أننا أصبحنا مشردين في شتى أصقاع الأرض، ولا يمكن لقوة أن تجمعنا مع بعضنا البعض، بعد اليوم ..فقال لي: "هي الشيخ معاذ الخطيب غنى له أنظر في عيون أطفالك"، فلماذا لم يرحل..؟ وختم بالقول: يا صديقي .. بشار الأسد واحد أهبل ومختل عقليا وحرامي وفاسد وكذاب وتافه وحقير بنفس الوقت، ولا ينفع أن تغني له "أسألك الرحيلا" أو "حل عني" أو "انقلع".. لقد جربنا ذلك جميعا، بما فيها السلاح، وقد ثبت أن هذه النوعية من المجرمين لا يرحلون إلا ميتين.. فما لنا إلا أن ندعو الله أن يأخذه أخذ عزيز مقتدر.. أو أن "يقوس" هو نفسه ويخلص البشرية والشعب السوري من شروره.

*من كتاب "زمان الوصل"
(346)    هل أعجبتك المقالة (350)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي