يجد المرء عِبراً في ذئب الكورونا المجهري الذي داهم هذه الأرض المطحية المغدورة، وذُكرت له منافع منها أنه لمَّ شمل الأسرة الصغيرة، وصار العالم بيتاً بعد أن كان قرية مختارها أمريكا، وأزعرها روسيا، وحسناؤها إسرائيل..
تغيَّرت أخلاق السوريين في المنفى، ضمرت عضلات الزوج، وخسر قوته ومُلكه، وربما أولاده. اكتسبت الزوجة السورية قوّةً ومنعة، وتحصّنت بالقوانين الأوربية، ربما خسرت الزوجة، فبعض الكسب خسارة، وبعض الخسائر كسب، فإن كانت قد كسبت حماية الدولة، فقد اضطرب العمران الاجتماعي وتداعت الخلية وقلّ العسل، وقد فرَّق كورونا السياسة الجماعات وقطع الأرحام، وكانت الأرحام قد بدأت تتقطع منذ أن ظهرت الآلة التي أكثرت من اللذَّات وهدمت الجماعات.
تغيَّر الألمان بعد الكورونا، في السوبر ماركت وضعوا متراساً بين المحاسب وبين المشتري، ويُخشى من خنادق وكلمات سرٍّ.
جعلت الحكومة مسافة أمان قدرها متران، أنا أشتري من سوبر ماركت مسافة الأمان فيه متر ونصف، والعربة إجبارية، وهناك حواجز طيارة أوربية تنظر بريبة إلى الجميع، ثمة حظر جزئي للحياة والجمع والجماعة، يستطيع أي جار أن يشكو جاره ويبلّغ الشرطة إن جاءته زيارة، الزيارات محظورة، وكأن الزائر إرهابي مندَّس يوهن نفسية الأمة.
لم يعد أحد يرى الأزواج الألمان من الجيل القديم يمشون متشابكين، وهذه عادة في الإقليم والقرى خاصة، سمحت الحكومة الألمانية لاثنين بالمشي لا ثالث لهما سوى كلبهما؛ هناك عبارة مروروية شهرية للسيارات الزراعية تقول: واحد فقط بجانب السائق سيارة فصارت بجانب السائق قدميه أيضا!
الأتراك الوافدون لا يزالون يخرقون القانون، وجلُّهم من الأناضول وهم معروفون بقوة الشكيمة والعناد، ويمشون ثلاثاً ورُباعاً، والأتراك يتقدمون زوجاتهم مسافة أمان تقدّر بثلاثة أمتار. سُئلتُ مرة عن سب تقدم التركي زوجته في المشي، فقلت: إنَّ الاناضول بلاد فيها مخاطر وألغام، والزوج يضحّي بنفسه ليفديها!
الطليان حالهم يصعب على الكافر صباحاً، وعلى المؤمن في كل الأوقات، قرأت أنَّ إيطالياً تذرَّع بالكلب للخروج إلى شمس الربيع، ومن ليس لديه يأخذ دمية كلب ويخرج، وقد كشف البوليس خدعة كلب طروادة وحجرت على صاحب دمية الصوف.
أُفرجَ في دول كثيرة عن سجناء ارتكبوا جرائم وجنايات وجنح، وحجزوا على من يريد أن يشمَّ نسيم الحرية ويتنزه تحت الشمس! الشمس في أوربا خجولة، الأوربيون لا يحبّون من الخجولات سوى الشمس، فيتعرّون ويتمدّدون تحتها، فتغيب من جديد لأنها خجولة.
الشرطة تستوقف المشبوهين وتسألهم عن أسباب الخروج، هو حظر جزئي، كورونا هو فيروس الفصل العنصري العالمي. كورونا نازي من غير شارب ولا زعيق ولا غوبلز.
كورونا اسمه الثنائي، الفيروس المستجد وهو اسمه في الصحافة العالمية، حفتر صفته اللواء المتقاعد، استغل المتقاعد هجمة الفيروس المستجد الوباء، وقصف طرابلس، لكنه يندحر الآن، تتالت دعوات أممية غير مخلصة لوقف الحرب والتفرغ لمنازلة الكورونا، فهي تمدُّ المتقاعد بالسلاح وتستقبله استقبال الزعماء، وكانت الحكومة السورية قد حظرت التجول من السادسة مساء حتى الساعة صباحاً، وكأن الكورونا لص يسرق تحت جنح النظام.
يواجه العالم مشكلة هي أنَّ الدكتاتوريات التي رعتها ستكون خطراً على صحة الكوكب، بعد أن توقفت الطائرات والقطارات ولا حاجة لشرطي يحمي الحدود من الغزو وإنما من الفرار من الوطن، الوقت ليس وقت تفكير بانقلابات، فالجميع مشغول بالكورونا، لكن الصراع البشري هو نفسه.
السيسي باع البرّ وباع النهر وباع البحر، الأسد باع طرطوس، وباع النفط، وجاء الكورونا المخلص، الذي سيعيد ترتيب النظام، عدتُ إلى البيت، وقفتُ أمام حاجز الباب، منعتي زوجتي وسألتني عن كلمة السر، فلم أتذكرها، عقمتْني كما لو أني موبوء، هكذا كانوا يفعلون بالألمان بعد الحرب العالمية، وكما فعلت إسرائيل مع اليهود المستقدمين للاستيطان في فلسطين، أمس كانت مسافة الأمان متراً، نخشى بناء جدران عازلة بين البشر.
غضبت المستشارة ميركل من استهانة الألمان بالخطر والحظر، ففرضت الكمامة منذ يوم الأربعاء على الداخلين على الأمكنة المغلقة، الخطر لا يزال ماثلاً، هؤلاء لا يعلمون أن هذا الفيروس هو فيروس فرمتة العالم!
خلع جارنا الألماني حذاءه في العتبة، كما يفعل المسلمون، غسل يديّه طويلاً في الحديقة، الكيس الذي أدخله، به آثار من زينة القوم ومن الشك الوبائي، الذي لا خلاص منه إلا بمعجزة، دخل معقّماً بغيمة من البخار مثل غيمة الجدّات للابن العائد من الغياب بالبخور الواقي من الحسد.
*شاعر وكاتب سوري
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية