استطاع حافظ الأسد خلال سنوات حكمه خلق شخصيات أمنية وعسكرية لديها "كاريزما الرعب" إن جاز لنا التعبير، فكان يكفي لإثارة الخوف ذكر اسم شخصية مثل علي دوبا، علي حيدر، غازي كنعان، هاشم معلا، علي أصلان، وغيرهم، ناهيك عن رفعت الأسد. هؤلاء وغيرهم، وجميعهم من الطائفة العلوية، شكلوا الدعامة الأساسية لحكم سوريا منذ العام 1970، ومنهم من ساهم في وصول حافظ الأسد إلى سدة الحكم إثر ما يسمى بالحركة التصحيحية.
"كاريزما الرعب" هذه لم يستطع بشار الأسد خلقها لدى الشخصيات المحيطة به، رغم أن آلته العسكرية والأمنية قتلت من السوريين أضعاف ما قتل حافظ الأسد، على الأقل حسب ما هو معلن وقياسا بالفترة الزمنية التي حكم فيها. أقاويل كثيرة ترددت حول المجلس الاستشاري لبشار الأسد واستعانته بعلي دوبا مع بداية الثورة، بالإضافة لمحمد مخلوف الذي كان بمثابة الحاكم الحقيقي لسورية في فترة ما قبل الأزمة وخلال سنوات الثورة الأولى.
أصحاب "كاريزما الرعب" الآنف ذكرهم، كان لكل منهم مريدوه في أوساط الطائفة العلوية على المستوى الشعبي، وعلى مستوى ضباط الجيش، ولعل هذا الأمر بدا واضحا في المواجهة العسكرية التي كادت أن تندلع بين سرايا الدفاع التي شكلها وقادها رفعت الأسد، وبين القوات الخاصة التي كان يقودها علي حيدر إبان محاولة رفعت الانقلاب على شقيقه حافظ منتصف ثمانينيات القرن الماضي.
هذا الاستقطاب، خلق لدى العدد الأكبر من أبناء الطائفة شعورا بأن كل واحد منهم يدور ضمن فلك شخصية من هذه الشخصيات وهذا ما يعطيه شعورا بـ"النفوذ"، فضلا عن ما تقدمها له من مكاسب خدمية كالتوظيف والبعثات والتجاوزات... إلا أن ما هو أبعد من ذلك أن وجود هذه الشخصيات، ربما أعطى لأبناء الطائفة، المستفيدين، شعورا بـ"الأمان" من أن هذه "المؤسسة"، التي قدمت لهم، ربما أكثر مما قدمته لغيرهم، هي في مأمن جراء وجود أصحاب "كاريزما الرعب".
هذه الشخصيات تم تحييد بعضها ضمن مسار عملية التمهيد لاستلام بشار الأسد الحكم، بعد موت باسل الذي كان المرشح الأول لخلافة حافظ، أما القسم الآخر فتم إبعاده بطريقة أو بأخرى حفاظا على كرسي بشار، ولعل أوضح مثال في هذا السياق تصفية غازي كنعان.
الآن ومع المواجهة بين بشار الأسد وبين رامي مخلوف بما يمثله من قوة اقتصادية ومجتمعية في أوساط الطائفة، لابد وأنها ستفرض حالة، غير مسبوقة من القلق، ربما لا يشبهها سوى تلك التي أوجدتها محاولة رفعت الأسد السيطرة على الحكم.
فمن كان لديه منهم قناعة بأن هذا الحكم هو للطائفة، فهو بلا شك بدأ يشعر بأن البساط بدأ يسحب من تحته، على اعتبار أن رامي، أولا ابن "محمد مخلوف" آخر أصحاب "كاريزما الرعب"، وثانيا قوة اقتصادية، بات تحت الضرب، لصالح شريحة جديدة هي بالمفهوم الطائفي "سنية" إذا ما صح الحديث عن الدور التي تلعبه أسماء الأسد ضمن هذه المواجهة.
يدفع السوريون بكافة شرائحهم، جوعا، ثمن حكم "المزرعة السورية" التي أوجدها حافظ وفشل بشار بإدارتها، مثلما دفعوها دما في صفين الأول يريد إنهاء حكم المزرعة وآخر فداء له.. ولمكتسباته.
أخيرا وحتى لا يصطاد أحدهم في الماء العكر، ما ورد من حديث طائفي هو حديث توصيف لا حديث تقييم، ولا يندرج ضمن التعميم بل ضمن الأغلبية.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية